وإذا ما كانت كل صورة من صور المعاني من عدة أساليب، فإنّه ليس ثَمَّ أسلوبٌ ونمط تركيبيّ هو المقدم على غيره، والذي تبنى عليه الأساليب والأنماط الأخرى بل يتخذ موقعه وفق ما يفتضيه حال صورة المعنى في حسن دلالته وتمامها عليه. وهذا مما لانكاد نعنى به كثيرًا في تحليلنا البياني لتراكيب صور المعاني.
ولهذا عُنِيَ " عبد القاهر " بالتنبيه إلى تلك المثابات كيما يقوم في قلوبنا وحركة تأملنا وتدبُّرنا، وينبهنا إلى عظيم لطفها، كأنَّها التي تكتم عنك أنفاسها كما تكتم الحسناء حركتها وحسّها عن كلّ غريب:
«واعلم أن من شأن الوجوه والفروق أن لا يزال تحدث بسببها وعلى حسب الأعراض والمعانى التى تقع، دقائق وخفايا لا إلى حد ونهاية، وأنها خفايا تكتم أنفسها جهدها حتى لا ينتبه لأكثرها، ولا يعلم أنَّها هى، وحتى لا تزال ترى العَالِم يعرضُ له السهو فيه وحتى إنِّه ليقصدُ إلى الصَّواب، فيقع فى أثناء كلامه ما يوهم الخطأ كل ذلك لشدة الخفاء وفرط الغموض.» (١)