وهذا يقيمك في سياق المجاهدة والمصابرة والعمل على اقتناص اللطائف، والتطهرمن معابة التساهل والتسارع والاستغناء بظاهرالنظر.... وتشتد الحاجة إلى المصابرة والمجاهدة في التدبر وتحليل التراكيب تحليلا بيانيا حين يكون الأمر على وجهين من التأويل أو أكثر أحدهما أنسب وآنس بالسياق والمقام والغرض المنصوب له الكلام، وإذا ما كان بيّنًا فى الشىء أنَّه لا يحتمل إلا الوجه الذى هو عليه حتى لا يشكل، وحتى لا يحتاج فى العلم بأن ذلك حقه وأنه الصواب إلى فكرة وروية فى مزية، وكانت المزية تتحقق ويجب الفضل إذا إحتمل فى ظاهر الحال غير الوجه الذى جاء عليه وجها آخر ثم رأيت النفس تنبوعن ذلك الوجه الأخر ورأيت للذى جاء عليه حسناً وقبولاً تعد مهماً إذا أنت تركته إلى الثانى. (١) فإنَّ المجاهدة في التحليل والتأويل حينئذٍ فريضة لا مناص من القيام لها وبها.
بهذا يبين لنا "عبد القاهر" السببل إلى التحليل البيانيّ لعمود بلاغة الكلام الذي بغيره لا يكون كلام يؤدي معنى ويصور حالاً.
ومن وراء عمود بلاغة الخطاب (النظم) ما به يتحقق لبلاغة الكلام تمامها، وهو ثلاثة:
حسن الدلالة على المعنى.
تمام الدلالة على المعنى
تبرج الدلالة على المعنى في صورة بهية معجبة. وفد سبق أن ذكرت لك مقاله (٢)
ولذلك نراه فى التحليل البيانى لقول الله - عَزَّ اسْمُهُ -:
﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (هود: ٤٤)
يذهب إلى أن ما تجده من المزية الطاهرة والفضيلة القاهرة والاعجاز الباهر إنما هو لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض ويذهب إلى أنه لم يعرض لها الحسن والشرف إلا من حيث لا قت الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة.

(١) - ينظر السابق: ٢٨١
(٢) - دلائل الإعجاز: ٤٣


الصفحة التالية
Icon