وغير خفيٍّ أنَّ حسن الدلالة وتمامها وتبرج صورتها ليس مقصوراً على النَّظم بل النَّظم عمود ذلك وبدونه لا يكون حسن دلالة ولا تمامها ولا تبرج صورتها.
ولذلك يقرر أنَّ ذهابه إلى أنَّ عمود البلاغة المعجزة هو النظم لا يخرج ما فى القرآن الكريم من الاستعارة وضروب المجاز من جملة ما هو به معجز، بل ذلك يقتضى دخول الاستعارة ونظائرها فيما هو معجز، وذلك لأنَّ هذه المعاني التي هى الاستعارة والكناية والتمثيل وسائر ضروب المجاز من بعدها من مقتضيات النظم، وعنه يحدث، وبه يكون... " (١)
فالإمام حين يكون بصدد التحليل البيانى لعمود البلاغة يقصر قوله على النظم القائم على ما بين الكلم من علائق تركيبه إسنادية راجعة إلى معانى النحو. وحين يكون بصدد التحليل البيانيّ لتمام البلاغة لا يقصره على شىء دون غيره، ولذلك نراه يدخل السلامة من الثقل والتنافر وما شاكل ذلك فيما تقع به الفضيلة (٢) بل إنه ليذهب إلى ما هو بعيد حين يرى أن السجع والجناس حين يقتضيها المعنى مقوماً من مقومات تمام بلاغة الكلام حتى إنَّ المتكلم لو رام تركهما إلى خلافهما مما لا تجنيس فيه ولا سجع لدخل من عقوق المعنى وإدخال الوحشة عليه فى شبيه مما يتسبب اليه المتكلف للتجنيس المستكرة والسجع النافر (٣)
ومثل هذا جعل "أبا فهر" يذهب إلى إنِّ «الذى فعله عبد القاهر فى كتابه (دلائل الاعجاز) هو أول تحليل للغة من حيث هى تركيب.
ومزية كل تركيب فى إشتماله على وجوه (البيان) القائمة فى نفس المبين عنها. وبهذا الكتاب وصنْوِه: (كتاب أسرار البلاغة) أسس" عبد القاهر" (علم تحليل البيان الانسانى كله) لا فى اللسان العربى وحده بل فى جميع ألسنة البشر.
(٢) - السابق: ٥٩، ٤٧٤
(٣) - أسرار البلاغة: ١٤