وإذا ما تجاوز صاحب القرآن الكريم في تدبره دائرة الآية إلى دائرة المعقد المتشكل من مجموع آيات ذات موضوع واحد كالمعقد الذي يجمع آيات تصنيف الناس إلى ثلاث في صدر سورة البقرة أو المعقد الذي يجمع آيات الإنفاق في سبيل الله - سبحانه وتعالى - وفي غيرسبيله، وما يتعلق بالعلاقات المالية في خواتيم سورة البقرة، أو المعقد الجامع الآيات المتحدثة في شأن الدعوة في خواتيم سورة النحل أو الآيات التي تجمع سمات عباد الرحمن في خواتيم سورة الفرقان إلى غير ذلك – إذا ما جاز إلى تلك الدائرة فإنَّ دقائق من معاني القرآن الكريم تتقاطر عليه أو تترادف وفقَ منزلِه من الفقه والفهم عن الله ربّ العالمين.
وتدبُّر المعقد ذو أهمية بليغة للمتدبر أيًّا كانت طلبته من صنوف المعاني القرآنية: صاحب معاني التشريع شأنُه شأن صاحب المعاني البيانيَّة تقتضيه طلبته ألاّ يأسر تبصُّرَه في دائرة الآية، فإنَّ غير قليل من معاني التشريع تقتضي النظر في عديد من الآيات المنسوق بعضها في إثر بعض، على أنَّ بعض المعاني التشريعية يمكن استفادتها من النَّظر في آية واحدة بخلاف المعاني البيانية، فطبيعة المعنى المبتغَى هو المقتضى مجال التدبر.
فإذا أراد المتدبِّرُ ضربًا آعلى من دقائق المعاني ولطائفها، فإنَّه يتخذُ دائرة السُّورة مجالا يُعْمِلُ فيه بصيرته وفراسته البيانية، فإنَّ لكلِّ سورةٍ سياقا يوحد نسب آياتها، ويحقِّق الرَّحم القائم بينها، ومراعاة ذلك السياق فيه البرّ برحم المعنى القرآني في السورة، وفي نور السياق الممتد للسورة يتبين للمتدبِّرِ كثيرٌ من اللطائف.
وقد أشار إلى ذلك " أبو إسحاق الشاطبي" في الموافقات ":


الصفحة التالية
Icon