وكلٌّ من الإيضاح والإخفاء بيانٌ، فتعريفهم علم البيان محط الفائدة فيه ومناط الخصيصة الفارقة قولُهم (فى وضوح الدلالة عليه) وليس قولهم «يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة» على سبيل الاطلاق بل هو إختلاف فى مناهج الإبانة عن المعنى وضوحاً وخفاء، وإلا فإنَّ علم البلاغة كلَّه هو علم إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة أى علم تصوير المعنى بصور مختلفة سواء كان هذا الإختلاف بتقديم عنصر أو تأخيره أو فصله أو وصله أو تعريفه أو تنكيره أو ذكره أوحذفه... الخ، فاذا تغيرت صورة العبارة عن المعنى تغيراً لا يتعلق بوضوح الدلالة عليه، فإنَّ هذه الصورةَ لا تكونُ من علم البيان أى لا تكون صورة بيانية بل تكون صورة تعبيرية إن صحت العبارة.
وليس تسمية العلم بالبيان من أنَّه مقصورٌ على درجات الوضوح ومصروفٌ عن درجات الخفاءِ، فالإبانةُ ليست ظهورًا ووضوحًا يقابلُ الخفاءَ، بل البيانُ هو التَّفصيلُ الذى يتأتَّى منه أن تكونَ السُّبُل إلى المعاني واضحة، وإن كانت هذه المعانى دفينة، وليست العبرةُ بوضوح المدلولِ بل العبرة بوضوح الدلالة.
وإذا ما كنت قد تحدثت عن تحليل التراكيب أو الصورة التعبيرية في معناها العام عند علمائنا الأقدمين، فإنِّي هنا مشيرٌ إلى الصورة البيانيّة في معناها الخاص عندهم دون أن يغيبَ عنَّا أن الصورة البيانيّة عنصر من عناصر الصورة العامة.
والأعلى أن نشيرَ إلى أمرين مهمين:
الأول: الأساس الذي يكون عليه النظر.
والأخر: معالم الطريق إلى التحليل
أساس النظر: