من الأسس المهمَّة هنا ضرورة المحاذَرَة من الإسراع إلى حُسبان أنَّ كلَّ ما لا تدركه أبصارنا أو عقولنا أو ليس له وجود فى واقعنا مِمَّا تحدَّث عنه القرآنُ الكريم إنَّما هو من قبيل المجاز أو التمثيل؛ لأنَّ ذلك الحسبانَ إنَّما يكون مقبولاً حين يكونُ صاحب هذا التصوير كمثلنا ومن بنى جنسنا، فنحسَِب كلَّ ما لا تقع عليه العين أوكلّ ما لا يَعِيه العقل، أو لا يكون له وجود فى واقعنا من عالم التصوير القائم على التمثيل والتقريب
أمَّا إذا كان صاحب هذا التصوير هو الحق - سبحانه وتعالى - الذى يرى الأشياء على حقائقها، فيصفها لنا بما لا يتجاوز حقيقتها فهو الذى خلقها ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الملك: ١٤) فالأمرُ ليس من المجازِ في شيءٍ من ذلك.
فاذا وصف الحق - جل جلاله - ما غاب عنا أو غابت عنا حقيقته فإنَّ وصفه - عز وجل - لنا لا يتجاوز حقيقة الموصوف التى علمها بل التى خلقها وأوجدها:
يقول الحق - سبحانه وتعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ (الحج: ٥)