فدلَّ هذا دلالة ظاهرة قاهرة على أن ما كان من هذا الباب ونحوه يحمل على الحقيقة، فهو من عالم الغيب أولاً، والفاعل هو الله القادر - عز وجل - فلا مجال البتة لتحكيم أعراف العقل والعادة، بل منطق العلم يقضِي باستحضار جلال الله وكماله.
وهذا الذي قلته هنا لايضير البحث في التصوير البياني في القرآن الكريم، فإنّ أنماط التصوير البيانيّ في القرآن الكريم وفيرة فى غير هذا الباب، علاوة على أنَّ الذهاب إلى الحقيقة فى مثل هذا الذى ذكرت أدخل فى باب البلاغة التى تُبقى صور الحقائق على حالها دون تجريدها إلى معان ذهنية.
وهذا الذى أقوله – أيضًا - ليس إنكاراً للقول بالمجاز فى بيان القرآن الكريم بل هو إنكار للتساهل في القول به فى كل ما يحسب إمكان القول به فى بيان القرآن الكريم دون تحقيق لما يقتضيه حال المتكلم به من كماله فى ذاته وصفاته وأفعاله ودون تحقيق لما بين بيان الحق - جل جلاله - وبيان الخلق من تفاوت لا يحاط، ودون تحقيق لما يقتضيه حال المعنى والغرض المنصوب له البيان. (١)
طريق الدلالة يجمع ما هو من قبيل دلالة الصورة علىالحقيقة ويدخل فيها ما يعرف بالتوسع، لأنَّه لا يقوم على النقل، كمثل دلالة كلمة العمى على فقد إدراك المحسوسات بالبصر وإدراك المعنويات بالبصر، فالكلمة موضوعة لمطلق معنى فقد إدراك بالبصر والبصيرة، وليس ما كان حسيًا أصل لما كان معنويًا؛ لأنّ الإنسان الأول: سيدنا آدم - عليه السلام - كان نبيًا تتساوى عنده المحسوسات والمعنويات، وكذلك علم زوجه وذريته.
ويجمع ما هو من قبيل المجاز القائم على النقل أما طريق الإفادة فهو كطريق مديد وسيع تدخل فيه مسيتبعات الراكيب كلها، فعلينا ألاَّ نتسارع إلى القول بالمجاز فيما لا يجمل القول فيه.