وجميع الصور البيانية مطبوعة بطابع سورتها ودراسة هذه الصور فى سورة من سور القرآن الكريم دراسة متأتية جديرة بأن تكشف الوشيجة الجامعة بين هذه الصور " لأنها ما دامت قد جرت فى سورة واحدة ذات سياق واحد، فلا بدَّ أن تكون فيها جامعة تجمعها، وهذه الجامعة قد تخفى وتدق، ولكنَّها رفيعة ورائعة كهذه الطباع الخفية الحية التى تراها تجرى فى أبناء العشيرة الواحدة، أو كهذه السيما والملامح الدقيقة التى تراها فى القوم يرجعون إلى آب واحد، لأن كل رموز السورة وصيغها وصورها ترجع إلى ما يشبه أن يكون أبا واحداً هو المحور الذى تدور حوله ولابد أن يكون فى كل هذه الصيغ وهذه الرموز وهذه الصور نفس واحد يجمعها ويؤلف بينها ويجعلها (عائلة) واحدة ذات سيما وملامح متقاربة والبحث الواعى الفطن هو الذى يقع على هذا. (١)
وهذا ما قام به شيخنا حين عمد إلى دراسة (أمثال سورة النور)، فتناول ثلاثة أمثال جاءت فيها، وقد عُنِي شيخنا – أعزّه الله تعالى - بالنظر في سياق هذه الأمثال ومواقعها من سياق السورة، كما عُني بالنَّظر في تراكيبها، وفي دلالتها على الغرض المنصوب له المثل، والمنصوب له السورة، وعلاقات هذه الأمثال ببعضها وموقع كل مثل من الآخر، فهو يضع أمامه المثابات الثلاثة التي يُرجِع " عبد القاهر " بلاغة الأنماط والأساليب إليها.
والنهج التحليلي للصورة البياني فيما كتبه شيخنا هنا مما يحسن أن يتخذ نبراسًا يهتدى بنوره، كيما يمتلك به المتدبر ما يمكن أن يضيفه إليه.
***

(١) - شيخنا أبو موسى: دراسة في البلاغة والشعر: ٢١


الصفحة التالية
Icon