وقالوا لرسُلِهم: ﴿.... لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا....﴾ (ابراهيم: من الآية١٣) فوعد الله - عز وجل - رسله بالنصر والاستخلاف المكين ﴿... فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١٤) ﴾
ويصور لنا جانبا من تلك الخيبة إذ يرى الذين كفروا أعمالهم كرمادٍ اشتدت به الرِّيحُ فى يومٍ عاصفٍ، فلا يبقى منه شئ.
وقد صور عظيم تفريقه وابادته بقوله (اشتدت به) فآذن باقتلاعه، ثم تعقيبه بقوله - جل جلاله -: ﴿لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ﴾ مقدما قوله (مما كسبوا) على قوله (على شئ) بخلاف ما جاء فى سورة (البقرة) من قوله - عز وجل -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: ٢٦٤)
فإن الأمر فى سورة (إبراهيم) - عليه السلام - تمحض للأعمال، فكان تقدمها أنسب " وهو تعقيب حكيم، لأنَّ كلمه (لا يقدرون) فيها محاولة واستنفار أقصى الطاقة لتبلغ القدرة مبلغًا يصلُ بها إلى اقتناص ما كسبت، ثم إخلادهم إلى التسليم والعجز، وهذا وصفٌ خفيّ للهول الذى لا يحاط به.
وهذا التشبيه الذى يلخص ويكشف حالة الضياع للشئ المرجوّ نفعه فى وقت الحاجة إلى الانتفاع به جاء مغْروسًا فى موضعه من السورة كما يغرس العضو من أعضاء الإنسان فى موضعه الذى هو فيه.


الصفحة التالية
Icon