بيان ذلك أن هذا التشبيه جاء متمما لوصف عذاب صاحب العمل وقد وصف القرآن الكريم ذلك وصفا يخلع القلب تأمل: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (١٧) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (١٨) ﴾
تأمل اللغة والصور التى وراء اللغة.
تأمل قوله: ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيد﴾ وكيف اسقطت هذه الكلمات صروح الطواغيت فى مستنقع الخيبة والضياع.
ثُمَّ تأمّلْ هذه الصورة الصارخة ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ وكيف دلَّ البِناءُ للمجهول على أن هناك سُقاةً غلاظا يعالجون سقيه وهو كاره رافض وهم يصبون فى قمة ماء الصديد صبًا بعد معالجةٍ.
ثُمَّ تأمل قوله - سبحانه وتعالى - ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ والمراد أسباب الموت، ولكنَّ العبارة جعلت الموت جيشا يقتحم بحشوده يحيط بهذا البائس التَّعس وقوله - جل جلاله - ﴿مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ يعنى أشباح الموت المخيفة المفزعة قد تزاحمت بها جنبات الأرض من حوله. (١)