فالضعف البادى من المشبَّه به أعمالُ الذين كفروا الذين يستحبّون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدّون عن سبيل الله - عز وجل - ويبغونها عوجا يتناسق مع اجتماعهم فى وجه دعوة الرسل لهم، فردُّوا أيديهم فى أفواههم، وقالوا إنَّا كفرنا بما أرسلتم به، وإنَّا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب، وقالوا لهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن فى ملتنا، هذا التجمّع والتظاهر والتآذر فى وجه الحق سيستحيل يوم القيامة رمادا تشتد به الريح فى يوم عاصف، وهؤلاء القادرون على مواجهة الحق فى الدنيا لا يقدرون مما كسبوا على شئ يوم القيامة.
«ولا يمكن أن يوضع تشبيه سورة (النور) هنا لا يمكن أن يكون الكلام فى سورة (إبراهيم) - عليه السلام - بعد عرض حالة هذا الذى ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ هو ﴿.. كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً... ﴾ (النور: من الآية٣٩) وذلك لأمر ظاهر هو أنَّ كلَّ تشبيه إنَّما هو امتداد للأنسجة اللغوية التى صاغت السياق كله، وهذا يعنى ضروبا من الاتساق الخفى المكين.» (١)
وفى سورة (إبراهيم) - عليه السلام - صاحب الأعمال لا وجود له فقد انقطع عنها بموته وهو بين الزبانية يسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه، فكيف يكون راكضا وراء سراب، بل الأنسب أن يكون عمله رمادا.
وبهذا ترى أنَّ فى تشبيه أعمال الذين كفروا بالرماد فى سورة (إبراهيم) دَِلالةً على ما كان عليه أصحاب هذه الأعمال من استجماع وتظاهر فى وجه الحق الذى جاءت به الرسل لتخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.
فكلّ تشبيه جاء في موطنه اللائق بالغرض المعقود له التمثيل، مما يجعل دلالته على معناه وغرضه دلالة لطيفة من وجه وحتميّة من وجه آخر، بحيث لا يجد المتدبِّر نفسه إلا مستقبلة من هذا المثل الغرض المنصوب له البيان، فكان الاقتضاء قويًا على الرغم من لطفه.