وهذا فيه – أيضًا - دَِلالةً مع مطلع السورة واسمها على مقصودها الأعظم: «التوحيد وبيان أنَّ هذا الكتاب غاية البلاغ إلى الله - جل جلاله - لأنَّه كافِلٌ ببيان الصراط الدال عليه المؤدى إليه» (١)
فإبراهيم "أبو الأنبياء"، والرُّسلُ أجمعون غايتُهم دعوة أقوامهم إلى التوحيد وبيان الصراط المستقيم صراط العزيز الحميد.
أمَّا سورة (النور) المدنية فإن «المحور الذى تدور عليه السورة كلّها هو محور التربية التى تشتد فى وسائلها إلى درجة الحدود وترقّ إلى درجة اللمسات الوجدانية الرفيقة التى تَصِلُ القلبَ بنورِ الله - جل جلاله - وبآياته المبثوثة فى تضاعيف الكون وثنايا الحياة.
الهدف واحد فى الشدة واللين هو تربية الضمائر واستجاشة المشاعر ورفع المقاييس الأخلاقية للحياة حتَّى تشفَّ وترفَّ وتتصل بنور الله - عز وجل - وتتداخل الآداب النفسية الفردية وآداب البيت والأسرة وآداب الجماعة والقيادة بوصفها نابعة كلها من معين واحد هو العقيدة فى الله - جل جلاله - متصلة كلها بنور واحد هو نور الله - عز وجل -، وهى فى صميمها نور وشفافية واشراق وطهارة وتربية عناصرها من مصدر النور الأول فى السماوات والأرض نور الله - جل جلاله - الذى أشرقت به الظلمات فى السماوات والأرض والقلوب والضمائر والنفوس والأرواح» (٢)
وفي استحضار مقصودالسورة وسياق المعنى استحضار للمعنى والغرض المساق له المثل؛ ليبين لك وجه دلالته على هذا المعنى والغرض الكليّ، فليس تدبّر الصورة البيانية بالمقصور على إدراك ما يُسمَّى بالغرض البلاغي من التشبيه أوالصورة البيانية كما هو متعالم عند الناشئة بل تدبّرها يَؤُمّ إلى إدراك الغرض الكليّ - أيضًا - ووجه دلالةِ هذه الصورة على ذلك الغرض، واتساقها مع سائر الصور لتحقيق الإبانة العَلِيّة عن هذا الغرض الكليّ.
(٢) - سيد قطب: في ظلال القرآن: ٤/ ٢٤٨٦