جاء تمثيل أعمال الذين كفروا فى سورة (النور) بالسراب أو بالظلمات من بعد تمثيل نور الله - سبحانه وتعالى - بمشكاة فيها مصباح... تمثيلا يقرب صورة غير المحدود للإدراك، وهى صورة تموج بالنور الباهر المتجلى فى السماوات والأرض المتبلور فى بيوت الله - عز وجل - المشرق فى قلوب أهل الإيمان، فإذا بتمثيل أعمال الذين كفروا يقابل هذا المجال النورانيّ الباهر، لأنَّه مجال مظلم فى مبدئه مخيب موئس مخيف مرعب فى آخره، فإذا كان نور الحق ساطعا لا يخبو، فإنَّ فى أعمال الذين كفروا التماعًا كاذبا يتبعه صاحبه المتلهف، فلا يجد شيئا، ولكنَّه يجد الله - سبحانه وتعالى - عنده، فيوفيه حسابه، وهو سريع الحساب للذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله - عز وجل - وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة والخائفين يوما تقلب فيه الأبصار، فيجزيهم أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله وهو سريع الحساب للذين كفروا بنور الله - سبحانه وتعالى - الذى جاءت به الرسل، فإذا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآنُ ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا أو كظلمات فى بحر لُجِّيٍّ، والله - عز وجل - يَطْوِي بيانَ حِسابِهِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: (فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ) هَكذا فِي سُرْعَةٍ عَاجِلَةٍ تَتَنَاسَقُ مَعَ الْبَغْتَةِ وَالْفَجَاءَة (١)
سُورةَ "النّور" عُنِيَتْ بِحَديثِ الإفْكِ الّذِي يُمثِّلُ أخْطَرَ ما يُمكن أن يلْحَقَ بالمُجتمعِ بعد الشِّرْكِ، فَيُقَوِّضهُ،
حديث الإفكِ قدْ جعلَ كثيرًا في بَحْرٍ لُجّيٍّ يَغْشَاه موجٌ من فوقِه موجٌ، ولقيَ منْه - ﷺ - وعائشة وأبواها - رَضِيَ الله عَنْهُم - ما لا يطاقُ، ولكنَّ نورَ الحقِّ بدد تلك الظلمات، فاذا المرجفون بالفتنة أعمالهم لا تبقى وإذا هى سرابٌ بقِيعَةٍ بسيطةٍ وسيعةٍ لاتتناهَى.