حديث الأفك وما أدَّى إليه وما أعقبه والعمل على وقايَةِ الأمَّة من مثله هو المقصود الأعظم لهذه السورة، وهذا منسول من الأصل الذي تقوم عليه السور المدنية: التصاعد في منازل التقوى من كلّ ما يردي الأمّة في المذلة والهوان في الدارين.
سورة " النّورِ "وإنْ صوَّرت أعمال الذين كفروا فى صورتين متعاقبتين صورة سرابٍ بأرضٍ قيعة يحسبه الظمآن ماءً، وصورة ظلمات فى بحر لجيّ، الأول تصوير لما يقع منهم من أعمال حسبوا أن لها نفعاً أيَّ نقع.
وهم بلا شك يفعلون بعض البِرِّ فطرة إلا أنَّه ليس لرب العالمين، وليس على هدي، فليس عملا صالحًا (١) ولذلك جاء تصوير هذه الأعمال بالسَّراب الذى يظنُّه صاحبُه ماءً، وما هو إلا سرابٌ ليشاكل حُسْبَانَهم أنَّ فى عملهم البرَّ على غير هدى نفعاً لهم.
والتشبيه الثانى تصوير للأعمال الأخرى التى يعْلَمون أنَّها غيرُنافعةٍ، ولذلك لا يطمعون فيها، ومن ثَمَّ لم يكن فى تصويرها ما يَدُلُّ على أنَّ لهم فيها مطمعاً فى الآخرة. (٢)
ولما كانت مفاسد الذين كفروا وأعمالهم الفاجرة التى لا تليق مع منطق العقل وفطرة الإنسانِ حشد تصويرُ أعمالِهم الفاجرة كلَّ هذه الظلمات وكلَّ هذه الأمواج والسحب على نحو فريد. (٣) فكان فيه من التساوق مع أعمالهم تلك مالا تغفلُ عنه بصيرة قارئ.
وهو شديد المقابلة للمثل الأول فى السورة: مثل نور الله - سبحانه وتعالى -:
(٢) - راجع دراسة في البلاغة والشعر لشيخنا: ٣٨
(٣) - السابق: ٣٤