«الأول نُورٌ على نورٍ، والثانى ظلمات بعضها فوق بعض، وفوق ذلك التقابل تقاربٌ فى البناء اللغوى لهما:
إحتشد الأول لبيان وهج النور، فذكر المشكاة (... مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ على نُورٍ....) (النور: من الآية٣٥)
وإحتشد المثل الثانى لتداخل الظلمات وأطباقها وتكاثفها حاذياً فى الصياغة حذو الأول تأمل (... يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ... ) (النور: من الآية٤٠)
ثم إنَّ كل صورة من الصورتين لها مدَدٌ يمدُّها، ولا ينضب، ففى الأولى شجرة مباركة يوقد منها، وفى الثانية سحاب مطبِقٌ فوق موج من تحته موج وكما قال هناك أيضا (... يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاء... ) (النور: من الآية٣٥) قال هنا (... وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ... ) (النور: من الآية٤٠) (١)
وهذا المثل أقوى فى الدلالة على مقصود السورة الذى أشرنا إليه من قبل، فأعمال الفجور والقذف به وحبَّ إشاعة الفاحشة فى الذين آمنوا مما لا يطمع فى نفعه، فهى ظلماتٌ فى بحر لجيّ معصوم منها الذين هداهم الله - عز وجل - لنوره، المُسبّحون له فى بيوته بالغدوِّ والآصال لا يليهم عن ذكره - جل جلاله - وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة عَرَضٌ من الدنيا فضلاعن أعمال الفجور.