رأيت عنايته بتبيان منهاج القرآن الكريم في التصوير البياني للمعاني، ودلالته عليها، ولذا يكثر من التصريح بأنَّ هذا بيان قد أخرج كذا إلى كذا.
وقد يحسب العجل أنَّ هذا ممّا قَرُب إدراكه وقلّ نفعُه، ولو أنَّه تمهَّل وتبصّر لرأى أن "الرماني" يهدينا إلى مناط العناية الرئيسيَّة في قراءة الصورة البيانية: العناية بالنظر في منهاج التصوير وطريق الدلالة.
فانظر قوله: «فبلاغة التشبيه الجمعُ بين شيئين بمعنى يجمعهما يكسب بيانًا فيهما. والأظهر الذي يقع فيه البيان بالتشبيه به على وجوه: (١)
- منها إخراج ما لاتقعُ عليه الحاسَّة إلى ما تقعُ عليه الحاسَّة.
-ومنها إخراج ما لم تجر به عادة إلى ما جرت به عادة.
-ومنها إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما لا يعلم بالبديهة.
-ومنها إخراج ما قوة له في صفة إلى ما له قوة في صفة» (٢)
قوله (إخراج... ) بيان منهاج، وهذا الإخراج ليس سبيلا مطرَّقًا، لأنّه إخراج مرتهن بالسياق والمقصد الأعظم الذي يساق إليه البيان.
وهو يبين لنا شيئًا من ذلك: يعرض لقول الله - عز وجل - في سورة (النور: ٣٩) :
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾
فيبرز لنا منهاج البيان فيه بأن «هذا بيانٌ قد أَخرَج ما لا تقع عليه الحاسّة إلى ما تقعُ عليه.
(٢) - الرمانيّ: النكت في إعجاز القرآن: ٨١- ضمن: (ثلاث رسائل في إعجاز القرآن)