وبيان مصور (يحسبه الظمآن ماء) أرأيت إلى تلك الكلمة المصورة ما هو آخذ بخناق الحاسب (١).
وهذا منهج عالٍ من مناهج إدراك الفروق بين نمطين من البيان.
الرمانيّ لم يجرد هذا البيان العاري من البلاغة، فإنَه ناظر إلى قوله (يحسبه) وهي كلمة لا تقال إلا في مقام الدلالة على أنَّ هذا من ظلمات الخطأ او الخطيئة، وكذلك هي في البيان القرآنيّ لا تأتي إلا دالة على أن ما كان ليس بحق أو ليس بنافع. وناظر إلى قوله (ثُمَّ يظهر أنّه... )
يقول: «لو قيل: يحسبه الرائي ماءً، ثُم يظهر أنّه على خلاف ما قدّر لكان بليغًا»
وكأنَّه يهدينا إلى أن البيان العاري من التصوير لا يفقد كل عناصر بلاغته، فإنَّ عناصرها كثيرة. وهذا منهج في التقويم دقيق.

(١) - يقول شيخنا أعزّه الله تعالى: «لاريب أنَّ هناك فرقًا بين أنْ تفيضَ الكلمات بالمعاني والمقاصد، وأن تفيض بها الأحداث والصور. فرقٌ بين ما يدلُّ عليه لفظ الشجاعة، وما تدلُّ عليه صورة الأسد ببطشه وإقدامه وبأسه وشدّته.
المعاني التي تفيضُ بها الأحداثُ والصّور أغزر وأبين وأمكن، ولا بدَّ أن يكون هذا القدر الزائد مقصودًا، وأن لا يكون هناك سبيل إلى الإبانة عنه إلا هذا الطريق؛ لأنَّ كلّ وسيلة من وسائل البيان لا يصار إليها إلا لضرورة... وإنّما كلّ شيءٍ في كلام أهل الطبع ركن فيه لاينهض إلاَّ به، فإذا رأينا تشبيهًا أو مجازًا أو كناية ليس موقعه في الكلام موقع ما لا يتحصّل الشيء إلا به فهو تكلف ساقط»
(التصوير البياني: دراسة تحليلية لمسائل البيان: ٧)


الصفحة التالية
Icon