وحثهم على التدبر: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ (صّ: ٢٩)
﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾ (النساء: ٨٢)
﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد: ٢٤)
وهذا التدبّرُ سبيلٌ مُمْتَدٌّ مُتًراحِبٌ تتعدَّدُ مناهج تحقيقه بتعدد الغايات المنشودة من القيام به والثمار المرجوِّ اجتناؤها، فلكلِّ متدبِّرٍطَلِبته وقطُوفٌ يبتغى جناها، وتتعدَّدُ أدواتُه وآلاتُه، وعلى قدر ما يمتلك المرءُ منها ويُحْسِنُ الانتفاعَ بها يكون نواله وعطاؤه.
وهذا ما كان باعثًا لي إلى أنْ أقيمَ هذا الكتابَ، وأنْ أنشرَه في طُلابِ العلم الشريف غاية ووسيلة ومقامًا.
أقيمه وأنشره احتسابًا ليكونَ على ثغرٍ من الثغور التي يتكاثر أعداء الأمة على اقتحامها وإتيان الأمَّة منها، فلم يعد العدوان العسكري المسلح هو السبيل الوحيد إلى امتلاك أعدائنا لديارنا وقلوبنا، بل هم يُمَهِّدُون لذلك بضروب من الغزو، منها الغزو الثقافي والعلمي والخلقي والنفسي، فمن ملك العقول والوجدان ملك الشعوب والأوطان.
وأيّ أمة لا تُعِدّ جندَها على تلك الثغور يجاهدون هذه الضروبَ من الغزوِ اللطيفِ الخبيثِ على قدرِ ما تُعِدُّ جُندَها لميادين الجهادِ المُسلِّح بالسيفِ والرُّمحِ هِيَ أمَّةٌ لا شَكَّ خاسِرةٌ النِّزالَ في ميدان القتال بالسيفِ والرّمحِ، وإن امتلكت أحدثَ وأعظم ما تُنْتِجُهُ البشريّة من أسلحةٍ وإِنْ أحْسَنَتْ استخدامها وتطويرها.
نصرُ أيِّ أمَّةٍ أو هزيمتها مؤسّسٌ على نصرِها أوهزيمتها في ميادين الجهاد الثقافي والعلمي والخلقي والنفسي، فمن ملك هذه الأبعاد من أي أمة ملكها كلها من هنا كان تداعِي الأمم علينا في هذه الميادين أشد وأنكى.


الصفحة التالية
Icon