«وأعلم أنَّ غرضي فى هذا الكلام الذى ابتداتُه والأساسِِ الذى وضعتُه أن أتوصَّل إلى بيان أمر المعانى كيف تختلف، وتتفق، ومن أين تجتمع، وتفترق، وأفصّل أجناسَها وأنواعها، وأتتبعُ خَاصَّها ومُشاعها، وأبيّنُ أحوالَها فى كرم مَنْصيِها من العقل، وفى تمكُّنها فى نِصابِه، وقرب رحمها منه، أو بعدها - حين تُنسب - عنه، وكونها كالحليف الجارى مَجْرَى النَّسَب، أوالزَّنِيمِ المُلْصَق بالقوم، لا يقبلونه، ولا يَمْتَعِضُونَ له، ولا يَذُبُّونَ عنه» (١)
فدراسة موقع السورة القرآنية على مدرجة السياق الكليّ للمعنى القرآنيّ بها يتبَيَّن أمر المعاني اختلافا واتفاقا واجتماعا وافتراقا... الخ
وقد كان لأهل العلم عناية ببيان علاقة السورة بما قبلها، وكانت جهودهم متفاوتةً، فمنهم من يكتفى ببيان علاقة ظاهر فاتحة السورة بخاتمة ما قبلها وكثيراً ما يقف عند التشابه اللغوى، ومنهم من يتجاوز ذلك في لطف قد لا يتبين لمتعجِّل:
وأنت إذا ما نظرت في صنيع تلميذ "البقاعيّ":" الجلال السيوطي" رأيت شيئًا من هذا الذي لايتبين لمن تعجَّل.
لننظر فيما قاله " السيوطى " فى علاقة سورة (النحل) بسورة (الحجر) فى كتابه (تناسق الدرر) :

(١) عبد القاهر: أسرار البلاغة – ص: ٢٦- ط: شاكر.
يجمُل بك أن تعيد قراءة مقالة "عبد القاهر" وأن تصغي إلى وقع أجراس حروفها وحركتها، وما أقامها عليه من التعادل الصوتي الذي يملأُ الأذن، فينفذ في القلب، فيشغله بما حمله إليه ذلك الإيقاع الفخم من المعاني، وكيف أن عبد القاهر يوظف ذلك إيصالا لمراداته ومعانيه ومغازيه إلى قلبك، فيبعثه على أن يستغرق في لذة الفهم التي هي خصيصة الصفوة من أبناء آدم - عَلَيْهِ السَّلام، فمن ذاق عرف ومن عرف عشق السعي في التي هي أهدى وأقوم.


الصفحة التالية
Icon