وقد كان لـ" برهان الدين البقاعيّ" عناية بهذا في تفسيره " نظم الدّرَر في تناسب الآيات والسُّور " قد لا تجد مثلها عند غيره
كان ذا عناية ببيان علائق مقاصد السور ببعضها وتصاعد معانيها منسولة من ذلك المقصود الأعظم للقرآن العظيم، كان معنيًّا ببيان ترتب مقصود السورة على مقصود التى قبلها ممَّا يعنى أنَّ التَّرابط القائم بين سور القرآن الكريم ليس ترابطًا منحصرًا في تناسب أوَّل السُّورة مع خاتمة ما قبلها، بل الأمر أكبر من ذلك.
في تبيانه مقصود سورة " البقرة " يركز على المعنى الذي هو أساس المعاني المنسولة من معنى سورة "أمّ القرآن " الذي هو إجمال معنى القرآن العظيم فهو لها كالحجر الأساس في البناء: معنى الإيمان بالغيب، يقول:
" مقصودها إقامة الدليل على أنّ الكتاب هدًى؛ ليتبع في كلّ ما قال [حال]، وأعظم ما يهدي إليه الإيمان بالغيب، ومجمعه الإيمان بالاخرة، فمداره الإيمان بالبعث الذي أعربت عنه قصَّة البقرة التي مدارها الإيمان بالغيب، فلذلك سمِّيتْ بها السّورةُ " (١)
كلَّ آيات سورة" البقرة " ناظرة إلى تقرير معنى الإيمان بالغيب في القلوب ومن ثَمَّ كانت فيها أول صفة للمتقين صراط المغضوب عليهم وصراط الضّالين صفةَ الإيمان بالغيب (هدى للمتقين الذين يُؤْمِنُونَ بِالغَيْب... ) فهذا الإيمان بالغيب هو أساس كلّ عمل صالح مصلِح، فإنَّه لامعنى البتة لأيِّ عمل صالح أو إيمان بدين إذا لم يكن ذلك مؤسسا على تقرر معنى الإيمان بالغيب
ولا يصلح الإله المعبود أن يكون مشهودًا ملموسا بل لابد أن يكون غيبا مطلقا تشهد الأبصار والبصائر دلائل وجوده ووحدانيته وكمال جلاله وجماله وقهره ورحمته... إلخ
ومن ثَمَّ كان مقصود السورة الأولى من سور تفصيل أم الكتاب: " سورة البقرة " الهداية إلى الإيمان بالغيب.