وهذا يضاف إلى منهاج آخر كثُر عند غير قليل من المفسرين: منهاج علاقة فاتحة السورة بخاتمة ما قبلها، وهو منهج جليل يضيف إلى منهاج تصاعد المقاصد وتناسل المعاني، ذلك أنَّ مقصود كلّ سورة إنَّما يستهل مفتتحها بالإعلان عنه في لطفٍ، ومن ثَمَّ تنادَى العلماءُ ببراعة استهلال السور القرآنية، ففاتحة كل سورة عنوان بليغ لطيف لما قام فيها من المقصد الأعظم والمعاني الكلية. (١)
***
وإذا ما كان النظر فى علاقة السورة بما قبلها وبما بعدها من السُّور يُبِّين موقع السورة على لا حب سياق المعنى الكليّ للقرآن الكريم، وكان ذلك النّظر قد لقى عناية كثيرة من أهل العلم، فإنَّ ثَمَّ صورةً هى أبعد مدى، وأوفر جدًى [جَدَا] (٢)

(١) - البلاغيون والنقاد العرب لهم اعتناء بالغ بهذا في تدبرهم البيان القرآنيَّ، وتذوقهم بيان الشعر، فقديما قال ابن المقفع: ليكن في صدر كلامك دليلٌ على حاجتك، ويعلق الجاحظ قائلا:... إنه لا خير في كلام لا يدلّ على معناك، ولا يشير إلى مغزاك، وإلى العمود الذي قصدت، والغرض الذي إليه نزعت " (البيان والتبيين: ١/١١٦) ولمزيد من العرفان بهذا راجع: إحكام صنعة الكلام للكلاعي: ص ٦٦، وقانون البلاغة للبغدادي – ص ٤٥٠، وتحرير التحبير لابن أبي الإصبع: ١٧٢، ومقدمة تفسير ابن النقيب: ٢٩٠، والجامع الكبير لابن الأثير: ١٨٧، والمثل السائر لضياء بن الأثير: ٢/٢٢٣، ومعيار النظار في علوم الأشعار لأبي المعالي الزنجاني: ٣٠٢، والإيضاح (بغية) ٤/١٣٠، والإكسير في علم التفسير للطوفي: ٢٢٥
(٢) - الجدا يكتب بالألف وبالياء كما يقول " ابن السّكيت" وكتبته أعلى بالياء ليتشاكل مع (مدى) والجَدَا: المطر العام، وفي الحديث: اللهمّ اسقنا غيثًا غَدَقًا، وجَدًا طبَقًا.
والجدا: العطية، مثل الجَدْوَى، وأنت تسمع الناس يقولون: " دراسة جدوى المشروع " أي عطاؤه ونفعه، ومثنّي الجَدَا: جَدَوَانِ وَجَديان. ولكلٍّ من (الجدَا، والجَدى) مقام، فإن أردت قوة الجدا، فالألف أدل لأنَّ أصلها الواو، وهو صوت قويّ، وإن أردت اليسر، فالف المكتوبة ياء؛ لأنَّ أصلها الياء، وهو صوت فيه سهولة وخفض.


الصفحة التالية
Icon