فُصِلَ بين سورة (أمّ الكتاب) وسورة (الأنعام) بأربع سور، وبين سورة (الأنعام) وسورة (الكهف) بإحدى عشرة سورة، وبين سورة (الكهف) وسورة (سبأ) بخمسَ عشرة سورة، ولم يكن بين سورة (سبأ) وسورة (فاطر) فاصل، فليس لنا إلاَّ أن نعمد إلى السعي إلى تدبر واستبصار شيء من حكمة البيان القرآني على هذا الوجه من النّسق الترتيليّ، وأسلافنا الأماجد كان منهم سعْيٌ إلى ذلك:
يقول السعد التفتازانى (ت ٧٩٢) في مفتتح شرحه التلويح في أصول الفقه: الحمد يكون على النعمة وغيرها، فالله تعالى يستحق الحمد أولا بكمال ذاته وعظمة صفاته وثانيا بجميل نعمائه وجزيل آلانه...
نعمة الله - سبحانه وتعالى - على كثرتها ترجع إلى إيجاد وإبقاء أولا، وإيجاد وإبقاء ثانيا...
أشير في الفاتحة إلى جميع النعم، وفي "الإنعام " إلى الإيجاد وفى (الكهف) إلى الإبقاء اولاً، وفى (سبأ) إلى الإيجاد وفى (الملائكة) إلى الإبقاء ثانيًا. (١)
وهذا الذي قاله السعد فيه إجمال (٢)

(١) - السعد التفتازاني: التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه لصدر الشريعة الحنفي: ١/ ٤ – ط: محمد على صبيح: القاهرة.
(٢) - كان " الإمام: ابو عبد الله محمد بن أحمد الخزرجي الأندلسي القرطبيّ المصري توفي بصعيد مصر سنة٦٧١هـ قد سبق "السعد" بإشارة عجلى إلى ذلك: قال في مفتتح تأويل سورة (الأنعام) :"... فإن قيل: فقد افتتح غيرها بالحمد لله، فكان الاجتزاء بواحدة يغني عن سائره "، فيقال: لأنّ لكلّ واحدة منه معنى في موضعه لا يؤدي عنه غيره من أجل عقده بالنعم المختلفة، وأيضًا فلما فيه من الحجة في هذا الموضع على الذين هم بربهم يعدلون "، فانظر في قوله (من أجل عقده بالنعم المختلفة) فإنه هادٍ بإشارته إلى ما جاء " السعد" فمنحه بعضًا من البيان.
وأذكر أنّي كنت قد اطلعت على مقالة لمفسر أظن أنّه يسبق القرطبي فيها شيء من التفصيل القريب من تبيين السعد، ويخيّل لي أنه " ابو بكر بن العربي " الفقيه المالكي، ولكني لا أكاد أتيقن من ذلك الآن، ولا أذكر أين قرأت ذلك، وهذا من العيوب التي يقع فيها طالب العلم: لايقيد بعقله أو قلمه ما يقرأ، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَار، ولعلّى أُهْدَى إليْه إنْ شاءَ الله تَعالَى.


الصفحة التالية
Icon