وإذا كانت السورة من"السُّؤْرِ"الَّذِي هو بقية مِمَّا يُشْرَبُ، ثُمَّ خُفِّفَتْ همزتُه، فإنَّ فى ذلك دَِلالةً على تجانس آياتها من جهة وتجانسها مع سائر السور الأخرى؛ لأنَّ سؤرَ الشَّرابِ يجانس سائره.
ولعلَّ معنى الجمع الذى هو الرئيس فى اسمه (القرآن) واسمه (الكتاب) يؤازر دَِلالة التَّناسق والتَّناسب والتَّآخي والتَّناغي بين آيات وكلمات السُّورة من وجه وسوره جميعا فيما بينها من وجهٍ آخر؛ لأنَّ العزيز الحكيم العليم لا يجمع بين ما تناقر فى ظاهره وباطنه، وهو الذى ألَّف بين أرواح خلقه فيما هدى إليه سيدنا محمد - ﷺ -.
«عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - ﷺ - يَقُولُ: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ». (حديث: ٣٣٣٦ – بخاري: أحاديث الأنبياء والنّص له، ومسلم: البر – حديث: ٦٨٦٧)
كذلك آيات القرآن الكريم، وسوره جنود مجندة، فعالم الإنسان من خلقه وعالم القرآن من أمره ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف: من الآية٥٤)
وكل ما يُخيل أنَّ له أثرا فى ضعف فحول الأدباء اتقانَ وجوه التناسق والتناسب والتآخى والتناغى بين أجزاء بيانهم الإبداعى لا يتطرق إلى عقل أن يتخيله إذا ما كان الأمرُ تناسقَ وتناسبَ وتآخي وتناغي جمل وآيات السورة القرآنية وسور القرآن الكريم كلِّه؛ ذلك أنَّ الذى قاله وأنزله إنَّما هو الله رب العالمين العزيز الحكيم العليم الحميد.
يقول الحق جل جلاله فى شأن القرآن الكريم:
﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الشعراء: ١٩٢)
﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ (يّس: ٥)
﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (الزمر: ١)