ولابد له من بعد ذلك من الالتفات إلى أول الكلام وآخره بحسب السورة برُمَّتها، فتعدد قضايا السورة الواحدة وتعدد معانيها الكلية نازل على سلطان الغرض الأعظم من كلّ سورة، فليست منزلة القضية الواحدة ذات المعانى الجزئية من السورة إلا كمنزلة الجملة والآية من القضية الواحدة، فكما أنَّه لا يستقيم إلا رَدُّ أوَّل الكلام على آخره فى كل قضية ومعقد من معاقد المعاني الكلية، كذلك لا يستقيم إلاَّ رَدُّ أوّل الكلام على آخره فى كل سورة من سور القرآن الكريم.
"وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع فى فهم المكلف، فإن فَرَّقَ النظر فى أجزائه لا يتوصل إلى مراده، فلا يصح الاقتصار على بعض أجزاء الكلام إلا فى موطن واحد وهو النظر فى فهم الظاهر بحسب اللسانِ العربِيِّ وما يقتضِيه لا بحسب مقصود المتكلم، فإذا صَحَّ له الظاهر على العربية رجع إلى نفس الكلام، فَعَمَّا قريب يبدو له منه المعنى المراد، فعليه بالتعبُّد به (١)
فَوَجب على من أراد أن يعرفَ ما يريد منه الحق - سبحانه وتعالى - بكلامه وما يُحبُّ، ويرضى من قليل الخير وكثيره ودقيقه وجليله، وما يبغض ربنا - عز وجل - ويكره من شىءٍ: التَّقوُّل والفعل والاعتقاد أن ينظرَ فى الخطة التى بها يستكشف المراد، ويوقف على المقصود، وهى خطة من أساسها ملاحظة أول الكلام وآخره
والشّاطيِيُّ يفرق بين غاية الفقيه، وما يلزمها من مجال حركة التّدبر، وغاية البيانِيِّ، وما يلزمها من مجال حركة التّدبّر:
غاية الفقيه تحصيل المعنى الشرعي المتمثل في الحلال ودرجاته، والحرام ودرجاته، وهذه الغاية تتحقق بحركة تدَبُّريّةٍ مجالها قد يكون آية أو آيتين أو عدة آيات.