وما ذاك إلاَّ لأنَّ لِكُلِّ سورةٍ طابِعَها الروحيَّ الذى فيه تعبق المعاني الإحسانية بأرَجِها، والمسلم الناصح نفسه لا يَقْصُرُها على المعانى الجمهوريَّة من القرآن الكريم التى بها يكون جَذْرُ الإيمان بالقلب، وإنَّما شأن المسلم النَّاصح أن يغذُو قلبه نميرَ المعانى الإحسانية، ولذلك كان الأمر بالتَّدبر في آيات القرآن الكريم، فذلك هو السبيل إلى استبصار المعانى الإحسانية وإدراك ما بين المعاني الجزئية فى الآية أو الجملة من الآيات أيسر من إدراك ما بين المعانِي الكليَّة فى السورة، وما المعانى الجزئية فى تلاحمها إلاَّ كمثل أجزاء العضو الواحد من الإنسان بينما المعاني الكلية فى السورة كلِّها تلتحم فيها " كما تلتحم الأعضاء فى جسم الإنسان، فبين كلِّ قطعة وجارتها رباطٌ موضِعِىٌّ من أنفسهما، كما يلتقى العظمان عند المفصل، ومن فوقها تمتد شبكة من الوشائج تحيط بهما عن كثب، كما يشتبك العضوان بالشرايين والعروق والأعصاب من وراء ذلك كلّه يسرِي فى جملة السورة فى اتجاه معين، وتؤدى بمجموعها غرضًا خاصًا، كما يأخذ الجسم قواما واحدًا، ويتعاون بجملته على أداء غرض واحد مع اختلاف وظائفه العضوية. (١)
وبناء السورة القرآنِيَّة من معان كلّيّة بُنِيَت من معانٍ جزئيَّة يكون على أنحاءٍ ومناهج عديدة.
لايخفى عليك أن حديث الشيخ "دراز" تمثيليّ تقريبيّ. وكذلك غالب حديث البلاغيين والمفسرين في شأن القرآن الكريم تقريب لما تعجز الألسنة عن الإبانة عن حقيقته الجليلة؟ ؟ التي لاتحيط بها العقول، وتدركها القلوب المؤمنة إدراكًا نورانيّا يُبنى عليه إدراك عِرفاني يتولد منه إدراك إحساني عَلِيّّ كريم العطاء