وفى تشبيه السورة بالدائرة وجهٌ آخرُ من وجوه تناسب آياتها ومعاقد معانيها، فكلُّ آيةٍ فى السُّورة دائرة صُغرى ينعطفُ آخرها على آولها وهذه الآيات (الدوائر الصُّغرَى) تتلائم فى محيط دائرة كبرى (السورة) حيث ينعطف آخرُها على آولها، ويلتحم مقطعها بمطلعها، ويرتدُّ عجزها على صدرها، فكلُّ سورةٍ دائرةٌ كبرَى مشتملةٌ على دوائر الأيات، وكلُّ دائرةٍ منها لها شعبة متصلة بما قبلها.
وليس بين تشبيه السُّورة بالشَّجرة وتشبيهها بالدَّائرة الكُبرى المحيطة بدوائر صغرى إلا التكامل:
التشبيه بالشجرة إنَّما هو فى مجال العلاقة الكليَّة بين عناصر السورة ويكشف عن الروح الموحد، كالشجرة فى سريان عصارة واحدة هى المقصود فى السورة.
والتشبيه بالدائرة إنَّما يوضح علاقة آخر الآية بصدرها، ثُمَّ علاقة الآية بالأخرى، فهو ربط الآيات ببعضها المُسَمَّى بالرَّبْط الجُزْئى الذى هو أيسرُ من الربط الكُلى وهذا الرَّبْطُ الجُزئى (الدائرى) لا يكشف المبدأ المهيمن والرُّوحَ السَّارِي والعصارةَ الخضراءَ، وهو ما يسميه العلماء المقصود الأعظم لكلَّ آيات السُّورة، والذى يدار عليه أولها وآخرها، ومن حقَّقه عرف تناسب آيات السورة وقصصها وجميع أجزائها، وبه ينكشف غامض المعنى وتتبين أسرار القصص المكررات
وأنَّ كلَّ سورة أعيدت فيها قصة، فلمعنى ادعي فى تلك السُّورة استدلّ عليه بتلك القصة غير المعنى الذى سيقت له فى السورة السابقة، ومن هذا اختلفت الألفاظ بحسب تلك الأغراض وتغيرت النظوم بالتأخير والتقديم والإيجاز والتطويل مع أنَّها لا يخالف شئ من ذلك أصل المعنى الذى تكونت به القصة. (١)

(١) نظم الدرر للبقاعي: ١/١٤- ط: الهند


الصفحة التالية
Icon