فالمقصد الكُلىّ والمغزى هو الروح المهيمن على جميع عناصر السورة بدأ من الكلمة فى أصغر صورها وانتهاء إلى المعقد ذى الآيات العِدَّة فى أكبر صوره، فإذا العناصرُ كلُّها المكونة للسورة متحدةٌ اتحادَ أعضاء الجسدِ الواحد وأجزاء الشَّجرة الواحدة، يتغلغل فى كلِّ عنصرٍ منها القصدُ الرئيسيُّ، فيطبع صورته ومعناه وموقعه وعلاقاته بالطابع التى يطبع به كل ما اتحد معه فى تكوين السورة، فإذا كُلُّ كلمة أو جملة أو آيةٍ أَوْ نَجْمٍ من نُجومِ السورة يعكس لنا حقيقة واحدة كليَّة هى المغزى الرئيسيّ المهيمن، وهذا ما ترى به كلَّ عنصرٍ معتمدا فى أداء رسالته الكليِّة على بقية العناصر كلها ومتعاونا معها تعاونا لا تغفل عنه البصيرة مما يجعل كلَّ عنصرٍ من هذه العناصر خارج السياق الجمعيّ للسورة غيره وهو فى ثَبَجِ هذا السياق الجمعيّ وعلى لاحِبِه، فيكون لهذا العنصر مفردًا عن منظومته السياقية روحٌ غير تلك التى كانت له وهو فى تلك المنظومة السياقية، والتى سماها " مصطفى الرافعى" (روح التركيب) والتى «لم تعرف قَطُّ فى كلام عربيّ غير القرآن، وبها انفرد نظمه، وخرج مما يطيقه النَّاسُ، ولولاها لم يكن بحيث هو كأنَّما وُضِعَ جملة واحدة ليس بين أجزائها تفاوت أو تباين إذ تراه ينظر فى التركيب إلى نظم الكلمة وتاليفِها، ثُمَّ إلى تاليف هذا النظم: فمِنْ هاهنا تعلَّق بعضُه ببعضٍ، وخرج فى معنى تلك الروح صفة واحدة هى صفة إعجازه فى جملة التركيب.
وإن كان فيما وراء ذلك متعدِّدَ الوجوه التى يُتصرَّف فيها من أغراض الكلام ومناحى العبارات على جملة ما حصل به من جهات الخطاب، كالقصص والمواعظ والحكم والتعليم وضرب الأمثال إلى نحوها مما تدور عليه»
. (١)

(١) - الرافعي: إعجاز القرأن والبلاغة النبوية: ص ٢٧٩ – ط: ٨ –١٣٨٩- المكتبة التجارية الكبرى – القاهرة.


الصفحة التالية
Icon