وبهذا الروح يتحقق التمازج بين السياقين الكلِّيَّين للقرآن الكريم: السياق التشريعيّ والسياق التثقيفى. ترى آيات التشريع العقدي والسلوكي ممزوجة بآيات التثقيف والتربية النفسية للامة لتقبل على التشريع إقبالَ رغبةٍ وشغفٍ وتلذُّذٍ في ما شَرَع الله - سبحانه وتعالى - لذة ومتعة واسترواحا، فتسهترت النفس المطمئنة فىذلك استهتار الفاجرة الأمَّارة بالسوء فى الموبقات والآثام، بل إنَّ هذه الروح لتمزج التشريع والتثقيف فى الآية الواحدة مزجًا لا تحس معه أىُّ نفسٍ مُرْهفة أىَّ شيءٍ مِنَ التَّبايُن والتّفاصُل على الرغم ممَّا قد يُظنُّ أنَّ البيانَ التَّشريعِيّ يقتضِي غيرما يقتضِيه البيان التثقيفى مفرداتٍ وتراكيبَ وتوقيعا صوتيا.. الخ.
اقرأ ما شئت مما سمى بآيات الأحكام بقلبٍ سليمٍ وحِسٍّ لغويٍّ مرهفٍ وذائقة بيانيَّة نافذةٍ، وانظر ماذا ترى؟
ترى آيات التشريع العقديّ والسلوكيّ تمازج بها نَمِيرُ التثقيف والتربية النفسية والشحذ الروحيّ للقوى بحيث لا ترى نفسُ المسلم فيما جاء فيها من واجبات أثر المشقة والإثقال وتكبيل حرية الحركة السلوكية للمسلم فى الأرض، بل ترى فى ذلك إشراقة الهدى والإعانة والتنظيم والوقاية وجلال التشريف بالسوق الرؤوف على مدارج القرب الأقدس. ولهذا لا ترى تفاوتا بين بلاغة القرآن الكريم المعجزة فى وجه من وجوهها:
لا ترى تفاوتا بين أيَّ ضربٍ من ضروب آياته التشريعية أو التثقيفية، ولا بين أيّ سورة وسورة أخرى، فجميع جمله وآياته وسُوَرِه على درجة سواء فى بلاغتها المعجزة ذلك أنَّ الإعجاز البلاغيّ للجملة أو الآية أو السورةٍ ليس فى كثرة ما اشتملت عليه من خصائص التراكيب، وصنوف التصوير وضروب التَّحْبِير:


الصفحة التالية
Icon