ليست الآية التى حوت عشرات من خصائص التركيب والتصوير بأشدّ إعجازا فى بلاغتها من الآية التى حوت ثلاثا من ذلك، وليست سورة "البقرة " بأشدَّ إعجازا من سورة " الكوثر " فإنَّ إعجازه البلاغيَّ ليس بكثرة ما حوى من خصائص التركيب وضروب التصوير والتَّحبير، ولكن بكيفية تركيب المعنى القرآنيّ بناءًا وتصويرًا وتحبيرًا فى السورة القرآنِيَّة جميعها، ثُمَّ في القرآن الكريم كله، ففي هذا يكتمل سلطان الروح التركبييّ المنبثق من المقصد والمغزى الكليّ الرئيسيّ لكلِّ سورة وبغير اكتمال هذا السُّلطان لا يكتمل لبلاغة القرآن ِ الكريمِ إعجازُه.
هذا المغزَى الكُلِّيُّ والمقصودُ الرئيسيُّ هو مفتاح خزائن كلِّ سورة من لطائف المعانى، ورقائقها، وحقائقها، لأنَّه المهيمن على كلِّ عنصر من عناصر البيان فى السورة (١)

(١) - يشير بعض نقدة النصوص الإبداعية إلى شيءٍ من أهمية السعي إلى استكشاف المغزى الدقيق الذي يهيمن على أجزاء النّصّ الذي يصالح بين الفقرات المتعارضة، ففي كلّ نصٍّ لابد أن يكون ثَمَّ معنى ينسجم مع كلّ الفقرات، وبه يكون كلّ جزءٍ منه متلائمًا متّصلا ببقية = = الأجزاء. ومنهم من يذهب إلى أنّ في كلّ نصّ جملة مفتاحية، بها يكون الولوج إلى أدغال النصّ، ويعدّ العثور على تلك الجملة عثورًا على المفتاح الأعظم.
راجع: قواعد النفد الأدبي لكرومبي -تر: محمد عوض- ص: ٥٦، ومجلة (فصول) ص: ٥٦- مجلد: ١ عدد ٢ - يناير: ١٩٨١، وكتاب قضايا النقد الأدبي لزكي العشماوي:- ص: ١٤٦، وفن الشعر لإحسان عباس: ٢١٠،


الصفحة التالية
Icon