"""""" صفحة رقم ٣١٤ """"""
آل عمران :( ٧ ) هو الذي أنزل.....
الكتاب هو القرآن فاللام للعهد وقدم الظرف وهو عليك لما يفيده من الاختصاص وقوله ) منه آيات محكمات ( الموافق لقواعد العربية أن يكون الظرف خبرا مقدما والأولى بالمعنى أن يكون مبتدأ تقديره من الكتاب آيات بينات على نحو ما تقدم في قوله ) ومن الناس من يقول ( وإنما كان أولى لأن المقصود إنقسام الكتاب إلى القسمين المذكورين لا مجرد الإخبار عنهما بأنهما من الكتاب والجملة حالية في محل نصب أو مستأنفة لا محل لها وقد اختلف العلماء في تفسير المحكمات والمتشابهات على أقوال فقيل إن المحكم ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل ومن القائلين بهذا جابر بن عبدالله والشعبي وسفيان الثوري قالوا وذلك بجر الحروف المقطعة في أوائل السور وقيل المحكم ما لا يحتمل إلا وجها واحدا والمتشابه ما يحتمل وجوها فإذا ردت إلى وجه واحد وأبطل الباقي صار المتشابه محكما وقيل إن المحكم ناسخه وحرامه وحلاله وفرائضه وما نؤمن به ونعمل عليه والمتشابه منسوخه وأمثاله واقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به روى هذا عن ابن عباس وقيل المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ روى عن ابن مسعود وقتادة والربيع والضحاك وقيل المحكم الذي ليس فيه تصريف ولا تحريف عما وضع له والمتشابه ما فيه تصريف وتحريف وتأويل قاله مجاهد وابن إسحاق قال ابن عطية وهذا أحسن الأقوال وقيل المحكم ما كان قائما بنفسه لا يحتاج إلى أن يرجع فيه إلى غيره والمتشابه ما يرجع فيه إلى غيره قال النحاس وهذا أحسن ما قيل في المحكمات والمتشابهات قال القرطبي ما قاله النحاس يبين ما اختاره ابن عطية وهو الجاري على وضع اللسان وذلك أن المحكم اسم مفعول من أحكم والإحكام الإتقان ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ولا تردد إنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته وإتقان تركيبها ومتى اختل أحد الامرين جاء التشابه والإشكال وقال ابن خويز منداد للمتشابه وجوه ما اختلف فيه العلماء أي الآيتين نسخت الأخرى كما في الحامل المتوفى عنها زوجها فإن من الصحابة من قال إن آية وضع الحمل نسخت آية الأربعة الأشهر والعشر ومنهم من قال بالعكس وكاختلافهم في الوصية للوارث وكتعارض الآيتين أيهما أولى أن يقدم إذا لم يعرف النسخ ولم توجد شرائطه وكتعارض الأخبار وتعارض الأقيسة هذا معنى كلامه
والأولى أن يقال إن المحكم هو الواضح المعنى الظاهر الدلالة إما باعتبار نفسه أو باعتبار غيره والمتشابه مالا يتضح معناه أو لا تظهر دلالته لا باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره وإذا عرفت هذا عرفت أن هذا الاختلاف الذي قدمناه ليس كما ينبغي وذلك لأن أهل كل قول عرفوا المحكم ببعض صفاته وعرفوا المتشابه بما يقابلها وبيان ذلك أن أهل القول الأول جعلوا المحكم ما وجد إلى علمه سبيل والمتشابه ما لا سبيل إلى علمه ولا شك أن مفهوم المحكم والمتشابه أوسع دائرة مما ذكروه فإن مجرد الخفاء أو عدم الظهور أو الاحتمال أو التردد يوجب التشابه وأهل القول الثاني خصوا المحكم بما ليس فيه احتمال والمتشابه بما فيه احتمال ولا شك أن هذا بعض أوصاف المحكم والمتشابه لا كلها وهكذا أهل القول الثالث فإنهم خصوا كل واحد من القسمين بتلك الأوصاف المعينة دون غيرها وأهل القول الرابع خصوا كل واحد منهما ببعض الأوصاف التي ذكرها أهل القول الثالث والأمر أوسع مما قالوه جميعا وأهل القول الخامس خصوا المحكم بوصف عدم التصريف والتحريف وجعلوا المتشابه مقابلة وأهملوا ما هو أهم من ذلك مما لا سبيل إلى علمه من دون تصريف وتحريف كفواتح السور


الصفحة التالية
Icon