"""""" صفحة رقم ٤٩٤ """"""
ما جعلتموه قادحا ليس بقادح في الحقيقة فإن المساواة في صفة البشرية لا تمنع المفارقة في صفة النبوة واتباع الأراذل كما تزعمون ليس مما يمنع من النبوة فإنهم مثلكم في البشرية والعقل والفهم فاتباعهم لي حجة عليكم لا لكم ويجوز أن يريد بالبينة المعجزة ) وآتاني رحمة من عنده ( هى النبوة وقيل الرحمة المعجزة والبينة النبوة
قيل ويجوز أن تكون الرحمة هى البينة نفسها والأولى تفسير الرحمة بغير ما فسرت به البينة والإفراد في ) فعميت ( على إرادة كل واحدة منهما أو على إرادة البينة لأنها هى التى تظهر لمن تفكر وتخفى على من لم يتفكر ومعنى عميت خفيت وقيل الرحمة هى على الخلق وقيل هى الهداية إلى معرفة البرهان وقيل الإيمان يقال عميت عن كذا وعمى علي كذا إذا لم أفهمه قيل وهو من باب القلب لأن البينة أو الرحمة لا تعمى وإنما يعمى عنها فهو كقولهم أدخلت القلنسوة رأسي وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي وحفص ) فعميت ( بضم العين وتشديد الميم على البناء للمفعول أي فعماها الله عليكم وفي قراءة أبي ؟ فعماها عليكم ؟ والاستفهام في ) أنلزمكموها ( للإنكار أي لا يمكنني أن أضطركم إلى المعرفة بها والحال أنكم لها كارهون والمعنى أخبروني إن كنت على حجة ظاهرة الدلالة على صحة نبوتي إلا أنها خافية عليكم أيمكننا أن نضطركم إلى العلم بها والحال أنكم لها كارهون غير متدبرين فيها فإن ذلك لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وحكى الكسائي والفراء إسكان الميم الأولى في أنلزمكموها تخفيفا كما في قول الشاعر فاليوم أشرب غير مستحقب
إثما من الله ولا واغل
فإن إسكان الباء في أشرب للتخفيف وقد قرأ أبو عمرو كذلك
هود :( ٢٩ ) ويا قوم لا.....
قوله ) ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله ( فيه التصريح منه عليه السلام بأنه لا يطلب على تبليغ الرسالة مالا حتى يكون بذلك محلا للتهمة ويكون لقول الكافرين مجال بأنه إنما ادعى ما ادعى طلبا للدنيا والضمير في عليه راجع إلى ما قاله لهم فيما قبل هذا وقوله ) وما أنا بطارد الذين آمنوا ( كالجواب عما يفهم من قولهم ) وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ( من التلميح منهم إلى إبعاد الأراذل عنه وقيل إنهم سألوه طردهم تصريحا لا تلميحا ثم علل ذلك بقوله ) إنهم ملاقوا ربهم ( أي لا أطردهم فإنهم ملاقون يوم القيامة ربهم فهو يجازيهم على إيمانهم لأنهم طلبوا بإيمانهم ما عنده سبحانه وكأنه قال هذا على وجه الإعظام لهم ويحتمل أنه قاله خوفا من مخاصمتهم له عند ربهم بسبب طرده لهم ثم بين لهم ما هم عليه في هذه المطالب التى طلبوها منه والعلل التى اعتلوا بها عن إجابته فقال ) ولكني أراكم قوما تجهلون ( كل ما ينبغي أن يعلم ومن ذلك استرذالهم للذين اتبعوه وسؤالهم له أن يطردهم
هود :( ٣٠ ) ويا قوم من.....
ثم أكد عدم جواز طردهم بقوله ) ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم ( أي من يمنعني من عذاب الله وانتقامه إن طردتهم فإن طردهم بسبب سبقهم إلى الإيمان والإجابة إلى الدعوة التى أرسل الله رسوله لأجلها ظلم عظيم لا يقع من أنبياء الله المؤيدين بالعصمة ولو وقع منهم فرضا وتقديرا لكان فيه من الظلم ما لا يكون لو فعله غيرهم من سائر الناس وقوله ) أفلا تذكرون ( معطوف على مقدر كأنه قيل أتستمرون على ما أنتم عليه من الجهل بما ذكر أفلا تذكرون من أحوالهم ما ينبغي تذكره وتتفكرون فيه حتى تعرفوا ما أنتم عليه من الخطأ وما هم عليه من الصواب
هود :( ٣١ ) ولا أقول لكم.....
قوله ) ولا أقول لكم عندي خزائن الله ( بين لهم أنه كما لا يطلب منهم شيئا من أموالهم على تبليغ الرسالة كذلك لا يدعى أن عنده خزائن الله حتى يستدلوا بعدمها على كذبه كما قالوا ) وما نرى لكم علينا من فضل ( والمراد بخزائن الله خزائن رزقه ) ولا أعلم الغيب ( أي ولا أدعى أني أعلم بغيب الله بل لم أقل لكم إلا أني نذير مبين إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ) ولا أقول ( لكم ) إني ملك (


الصفحة التالية
Icon