"""""" صفحة رقم ١٥٦ """"""
النحل :( ٢٠ ) والذين يدعون من.....
شرع سبحانه فى تحقيق كون الأصنام التى أشار إليها بقوله ) كمن لا يخلق ( عاجزة على أن يصدر منها خلق شئ فلا تستحق عبادة فقال ) الذين تدعون من دون الله ( أى الآلهة الذين يدعوهم الكفار من دون الله سبحانه صفتهم هذه الصفات المذكورة وهى أنهم ) لا يخلقون شيئا ( من المخلوقات أصلا لا كبيرا ولا صغيرا ولا جليلا ولا حقيرا ) وهم يخلقون ( أى وصفتهم أنهم يخلقون فكيف يتمكن المخلوق من أن يخلق غيره ففى هذه الآية زيادة بيان لأنه أثبت لهم صفة النقصان بعد أن سلب عنهم صفة الكمال بخلاف قوله ) أفمن يخلق كمن لا يخلق ( فإنه اقتصر على مجرد سلب صفة الكمال وقراءة الجمهور والذين تدعون بالمثناة الفوقية على الخطاب مطابقة لما قبله
وروى أبو بكر عن عاصم وروى هبيرة عن حفص يدعون بالتحية وهى قراءة يعقوب
النحل :( ٢١ ) أموات غير أحياء.....
ثم ذكر صفة أخرى من صفتهم فقال ) أموات غير أحياء ( يعنى أن هذه الأصنام أجسادها ميتة لا حياة بها أصلا فزيادة ) غير أحياء ( لبيان أنها ليست كبعض الأجساد التى تموت بعد ثبوت الحياة لها بل لا حياة لهذه أصلا فكيف يعبدونها وهم أفضل منها لأنهم أحياء ) وما يشعرون أيان يبعثون ( الضمير فى يشعرون للآلهة وفى يبعثون للكفار الذين يعبدون الأصنام والمعنى ما تشعر هذه الجمادات من الأصنام أبان يبعث عبدتهم من الكفار ويكون هذا على طريقة التهكم بهم لأن شعور الجماد مستحيل بما هو من الأمور الظاهرة فضلا عن الأمور التى لا يعلمها إلا الله سبحانه وقيل يجوز أن يكون الضمير فى يبعثون للآلهة أى وما تشعر هذه الأصنام أيان تبعث ويؤيد ذلك ما روى أن الله يبعث الأصنام ويخلق لها أرواحا معها شياطينها فيؤمر بالكل إلى النار ويدل على هذا قوله ) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ( وقيل قد تم الكلام عند قوله ) وهم يخلقون ( ثم ابتدأ فوصف المشركين بأنهم أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون فيكون الضميران على هذا للكفار وعلى القول بأن الضميرين أو أحدهما للأصنام يكون التعبير عنها مع كونها لا تعقل بما هو للعقلاء جريا على اعتقاد من يعبدها بأنها تعقل وقرأ السلمى إيان بكسر الهمزة وهما لغتان وهو فى محل نصب بالفعل الذى قبله
النحل :( ٢٢ ) إلهكم إله واحد.....
) إلهكم إله واحد ( لما زيف سبحانه طريقة عبدة الأوثان صرح بما هو الحق فى نفس الأمر وهو وحدانيته سبحانه ثم ذكر ما لأجله أصر الكفار على شركهم فقال ) فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة ( للوحدانية لا يؤثر فيها وعظ ولا ينجع فيها تذكير ) وهم مستكبرون ( عن قبول الحق متعظمون عن الإذعان للصواب مستمرون على الجحد
النحل :( ٢٣ ) لا جرم أن.....
) لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( قال الخليل لا جرم كلمة تحقيق ولا تكون إلا جوابا أى حقا أن الله يعلم ما يسرون من أقوالهم وأفعالهم وما يعلنون من ذلك وقد مر تحقيق الكلام فى لا جرم ) إنه لا يحب المستكبرين ( أى لا يحب هؤلاء الذين يستكبرون عن توحيد الله والإستجابة لأنبيائه والجملة تعليل لما تضمنه الكلام المتقدم
النحل :( ٢٤ ) وإذا قيل لهم.....
) وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم ( أى وإذا قال لهؤلاء الكفار المنكرين المستكبرين قائل ماذا أنزل ربكم أى أى شئ أنزل ربكم أو ماذا الذى أنزل قيل القائل النضر بن الحارث والآية نزلت فيه فيكون هذا القول منه على طريق التهكم وقيل القائل هو من يفد عليهم وقيل القائل المسلمون فأجاب المشركون المنكرون المستكبرون ف ) قالوا أساطير الأولين ( بالرفع أى ما تدعونه أيها المسلمون نزوله أساطير الأولين أو أن المشركين أرادوا السخرية بالمسلمين فقالوا المنزل عليكم أساطير الأولين وعلى هذا فلا يرد ما قيل من أن هذا لا يصلح أن يكون جوابا من المشركين وإلا لكان المعنى الذى أنزله ربنا أساطير الأولين والكفار لا يقرون بالإنزال ووجه عدم وروده هو ما ذكرناه وقيل هو كلام مستأنف أى ليس ما تدعون إنزاله أيها المسلمون منزلا بل هو أساطير الأولين وقد جوز على مقتضى علم النحو نصب أساطير وإن لم تقع القراءة به ولا بد من النصب من التأويل الذى ذكرنا أى أنزل