"""""" صفحة رقم ٢٧٥ """"""
وللمفسرين فى تفسير هذه الجملة قولان الأول أنهم مع كونهم فى مكان منفتح انفتاحا واسعا فى ظل جميع نهارهم لا تصيبهم الشمس فى طلوعها ولا فى غروبها لأن الله سبحانه حجبها عنهم والثاني أن باب ذلك الكهف كان مفتوحا إلى جانب الشمال فإذا طلعت الشمس كانت عن يمين الكهف وإذا غربت كانت عن يساره ويؤيد القول الأول قوله ) ذلك من آيات الله ( فإن صرف الشمس عنهم مع توجه الفجوة إلى مكان تصل إليه عادة أنسب بمعنى كونها آية ويؤيده أيضا إطلاق الفجوة وعدم تقييدها بكونها إلى جهة كذا ومما يدل على أن الفجوة المكان الواسع قول الشاعر ألبست قومك مخزاة ومنقصة
حتى أبيحوا وخلوا فجوة الدار
ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله ) من يهد الله ( أى إلى الحق ) فهو المهتد ( الذى ظفر بالهدى وأصاب الرشد والفلاح ) ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ( أى ناصرا يهديه إلى الحق كدقيانوس وأصحابه
الكهف :( ١٨ ) وتحسبهم أيقاظا وهم.....
ثم حكى سبحانه طرفا آخر من غرائب أحوالهم فقال ) وتحسبهم أيقاظا ( جمع يقظ بكسر القاف وفتحها ) وهم رقود ( أى نيام وهو جمع راقد كقعود فى قاعد قيل وسبب هذا الحسبان أن عيونهم كانت مفتحة وهم نيام وقال الزجاج لكثرة تقلبهم ) ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ( أى نقلبهم فى رقدتهم إلى الجهتين لئلا تأكل الأرض أجسادهم ) وكلبهم باسط ذراعيه ( حكاية حال ماضية لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى المضي كما تقرر فى علم النحو قال أكثر المفسرين هربوا من ملكهم ليلا فمروا براع معه كلب فتبعهم والوصيد قال أبو عبيد وأبو عبيدة هو فناء البيت وكذا قال المفسرون وقيل العتبة ورد بأن الكهف لا يكون له عتبة ولا باب وإنما اراد أن الكلب موضع العتبة من البيت ) لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ( قال الزجاج فرارا منصوب على المصدرية بمعنى التولية والفرار الهرب ) ولملئت ( قرئ بتشديد اللام وتخفيفها ) منهم رعبا ( قرئ بسكون العين وضمها أى خوفا يملا الصدر وانتصاب رعبا على التمييز أو على أنه مفعول ثان وسبب الرعب الهيبة التى ألبسهم الله إياها وقيل طول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم ووحشة مكانهم ويدفعه قوله تعالى ) لبثنا يوما أو بعض يوم ( فإن ذلك يدل على أنهم لم ينكروا من حالهم شيئا ولا وجدوا من أظفارهم وشعورهم ما يدل على طول المدة
الكهف :( ١٩ ) وكذلك بعثناهم ليتساءلوا.....
) وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم ( الإشارة إلى المذكور قبله أى وكما فعلنا بهم ما فعلنا من الكرامات بعثناهم من نومهم وفيه تذكير لقدرته على الإماتة والبعث جميعا ثم ذكر الأمر الذى لأجله بعثهم فقال ليتساءلوا بينهم أى ليقع التساؤل بينهم والإختلاف والتنازع فى مدة اللبث لما يترتب على ذلك من انكشاف الحال وظهور القدرة الباهرة والإقتصار على علة التساؤل لا ينفى غيرها وإنما أفرده لاستتباعه لسائر الآثار وجملة ) قال قائل منهم كم لبثتم ( مبينة لما قبلها من التساؤل أى كم مدة لبثكم فى النوم قالوا ذلك لأنهم رأوا فى أنفسهم غير ما يعهدونه فى العادة ) قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ( أى قال بعضهم جوابا عن سؤال من سأل منهم قال المفسرون إنهم دخلوا الكهف غدوة وبعثهم الله سبحانه آخر النهار فلذلك قالوا يوما فلما رأوا الشمس قالوا أو بعض يوم وكان قد بقيت بقية من النهار وقد مر مثل هذا الجواب فى قصة عزيز فى البقرة ) قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ( أى قال البعض الآخر هذا القول إما على طريق الإستدلال أو كان ذلك إلهاما لهم من الله سبحانه أى أنكم لا تعلمون مدة لبثكم وإنما يعلمها الله سبحانه ) فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ( أعرضوا عن التحاور فى مدة اللبث وأخذوا فى شئ آخر كأنه قال القائل منهم اتركوا ما أنتم فيه من المحاورة وخذوا فى شئ آخر مما يهمكم والفاء للسببية والورق الفضة مضروبة أو غير مضروبة وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي