"""""" صفحة رقم ٣٢١ """"""
أن التفخيم هو الأصل والإمالة فرع عنه فمن قرأ بتفخيم الهاء والياء فقد عمل بالأصل ومن أمالهما فقد عمل بالفرع ومن أمال أحدهما وفخم الآخر فقد عمل بالأمرين وقد تقدم الكلام فى هذه الحروف الواقعة فى فواتح السورة مستوفى فى أوائل البقرة ومحل هذه الفاتحة إن جعلت اسما للسورة على ما عليه الأكثر الرفع على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها قاله الفراء واعترضه الزجاج فقال هذا محال لأن كهيعص ليس هو مما أنبأنا الله عز وجل به عن زكرياء وقد أخبر الله تبارك وتعالى عنه وعما بشر به وليس كهيعص من قصته أو على أنها خبر مبتدأ محذوف وإن جعلت مسرودة على نمط التعديد
مريم :( ٢ ) ذكر رحمة ربك.....
فقوله ) ذكر رحمة ربك ( خبر لمبتدأ محذوف أى هذا ذكر رحمة ربك وقيل هو مبتدأ خبره محذوف أى فيما يتلى عليك ذكر رحمة ربك قال الزجاج ذكر مرتفع بالمضمر والمعنى هذا الذى نتلوه عليك ذكر رحمة ربك ) عبده زكريا ( يعنى إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد وانتصاب عبده على أنه مفعول للرحمة قاله الأخفش وقيل للذكر ومعنى ذكر الرحمة بلوغها وإصابتها كما يقال ذكرني معروف فلان أى بلغني وقرأ يحيى بن يعمر ) ذكر ( بالنصب وقرأ أبو العالية عبده بالرفع على أن المصدر مضاف إلى المفعول وفاعل الذكر هو عبده وزكرياء على القراءتين عطف بيان له أو بدل منه وقرأ الكلبي ) ذكر ( على صيغة الفعل الماضي مشددا ومخففا على أن الفاعل عبده وقرأ ابن معمر على الأمر وتكون الرحمة على هذا عبارة عن زكرياء لأن كل نبي رحمة لأمته
مريم :( ٣ ) إذ نادى ربه.....
) إذ نادى ربه نداء خفيا ( العامل فى الظرف رحمة وقيل ذكر وقيل هو بدل اشتمال من زكرياء واختلف فى وجه كون ندائه هذا خفيا فقيل لأنه أبعد عن الرياء وقيل أخفاه لئلا يلام على طلبه للولد فى غير وقته ولكونه من أمور الدنيا وقيل أخفاه مخافة من قومه وقيل كان ذلك منه لكونه قد صار ضعيفا هرما لا يقدر على الجهر
مريم :( ٤ ) قال رب إني.....
) قال رب إني وهن العظم مني ( هذه الجملة مفسرة لقوله نادى ربه يقال وهن يهن وهنا إذا ضعف فهو واهن وقرئ بالحركات الثلاث أراد أن عظامه فترت وضعفت قوته وذكر العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه وهو أصل بنانه فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته ولأن أشد ما فى الإنسان صلبه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ووحد العظم قصدا إلى الجنس المفيد لشمول الوهن لكل فرد من أفراد العظام ) واشتعل الرأس شيبا ( قرأ أبو عمرو بإدغام السين فى الشين والباقون بعدمه والاشتعال فى الأصل انتشار شعاع النار فشبه به انتشار بياض شعر الرأس فى سواده بجامع البياض والإنارة ثم أخرجه مخرج الإستعارة بالكناية بأن حذف المشبه به وأداة التشبيه وهذه الاستعارة من أبدع الاستعارات وأحسنها قال الزجاج يقال للشيب إذا كثر جدا قد اشتعل رأس فلان وأنشد للبيد فإن ترى رأسي أمسى واضحا
سلط الشيب عليه فاشتعل
وانتصاب شيبا على التمييز قاله الزجاج وقال الأخفش انتصابه على المصدر لأن معنى اشتعل شاب قال النحاس قول الأخفش أولى لأنه مشتق من فعل والمصدرية أظهر فيما كان كذلك وكان الأصل اشتعل شيب رأسي فأسند الإشتعال إلى الرأس لإفادة الشمول ) ولم أكن بدعائك رب شقيا ( أى لم أكن بدعائي إياك خائبا فى وقت من الأوقات بل كلما دعوتك استجبت لي
قال العلماء يستحب للمرء أن يجمع فى دعائه بين الخضوع وذكر نعم الله عليه كما فعل زكرياء هاهنا فإن فى قوله ) وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ( غاية الخضوع والتذلل وإظهار الضعف والقصور عن نيل مطالبه وبلوغ مآربه وفى قوله ) ولم أكن بدعائك رب شقيا ( ذكر رما عوده الله من الإنعام عليه بإجابة أدعيته يقال شقى بكذا أى تعب فيه ولم يحصل مقصوده منه
مريم :( ٥ ) وإني خفت الموالي.....
) وإني خفت الموالي من ورائي ( قرأ عثمان بن عفان ومحمد