"""""" صفحة رقم ٣٣٦ """"""
كان يعبدها آزر أورد إبراهيم عليه السلام على أبيه الدلائل والنصائح وصدر كلا منها بالنداء المتضمن للرفق واللين استمالة لقلبه وامتثالا لأمر ربه
مريم :( ٤٣ ) يا أبت إني.....
ثم كرر دعوته إلى الحق فقال ) يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك ( أخبر أنه قد وصل إليه من العلم نصيب لم يصل إلى أبيه وأنه قد تجدد له حصول ما يتوصل به منه إلى الحق ويقتدر به على إرشاد الضال ولهذا أمره باتباعه فقال ) فاتبعني أهدك صراطا سويا ( مستويا موصلا إلى المطلوب منجيا من المكروه ثم أكد ذلك بنصيحة اخرى زاجرة له عما هو فيه فقال
مريم :( ٤٤ ) يا أبت لا.....
) يا أبت لا تعبد الشيطان ( أى لا تطعه فإن عبادة الأصنام هى من طاعة الشيطان ثم علل ذلك بقوله ) إن الشيطان كان للرحمن عصيا ( حين ترك ما أمره به من السجود لآدم ومن أطاع من هو عاص لله سبحانه فهو عاص لله والعاصي حقيق بأن تسلب عنه النعم وتحل به النقم قال الكسائي العصي والعاصي بمعنى واحد
مريم :( ٤٥ ) يا أبت إني.....
ثم بين له الباعث على هذه النصائح فقال ) يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ( قال الفراء معنى أخاف هنا أعلم وقال الأكثرون إن الخوف هنا محمول على ظاهره لأن إبراهيم غير جازم بموت أبيه على الكفر إذ لو كان جازما بذلك لم يشتغل بنصحه ومعنى الخوف على الغير هو أن يظن وصول الضرر إلى ذلك الغير ) فتكون للشيطان وليا ( أى إنك إذا أطعت الشيطان كنت معه فى النار واللعنة فتكون بهذا السبب مواليا أو تكون بسبب موالاته فى العذاب معه وليس هناك ولاية حقيقية لقوله سبحانه ) الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو ( وقيل الولي بمعنى التالي وقيل الولي بمعنى القريب أى تكون للشيطان قريبا منه فى النار
مريم :( ٤٦ ) قال أراغب أنت.....
فلما مرت هذه النصائح النافعة والمواعظ المقبولة بسمع آزر قابلها بالغلظة والفظاظة والقسوة ف ) قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ( والاستفهام للتقريع والتوبيخ والتعجيب والمعنى أمعرض أنت عن ذلك ومنصرف إلى غيره ثم توعده فقال ) لئن لم تنته لأرجمنك ( أى بالحجارة وقيل باللسان فيكون معناه لأشتمنك وقيل معناه لأضربنك وقيل لأظهرن أمرك ) واهجرني مليا ( أى زمانا طويلا قال الكسائى يقال هجرته مليا وملوة وملاوة بمعنى الملاوة من الزمان وهو الطويل ومنه قول مهلهل فتصدعت صم الجبال لموته
وبكت عليه المرملات مليا
وقيل معناه اعتزلنى سالم العرض لا تصيبك مني معرة واختار هذا ابن جرير فمليا على هذا منتصب على الحال من إبراهيم وعلى القول الأول منتصب على الظرفية
مريم :( ٤٧ ) قال سلام عليك.....
فلما رأى إبراهيم إصرار أبيه على العناد ) قال سلام عليك ( أى تحية توديع ومتاركة كقوله ) وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ( وقيل معناه أمنة منى لك قاله ابن جرير وإنما أمنه مع كفره لأنه لم يؤمر بقتاله والأول أولى وبه قال الجمهور وقيل معناه الدعاء له بالسلامة استمالة له ورفقا به ثم وعده بأن يطلب له المغفرة من الله سبحانه تألفا له وطمعا فى لينه وذهاب قسوته والشيخ لا يترك أخلاقه
حتى يوارى فى ثرى رمسه
وكان منه هذا الوعد قبل أن يعلم أنه يموت على الكفر وتحق عليه الكلمة ولهذا قال الله سبحانه فى موضع آخر ) فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ( بعد قوله ) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ( وجملة ) إنه كان بي حفيا ( تعليل لما قبلها والمعنى سأطلب لك المغفرة من الله فإنه كان بي كثير البر واللطف يقال حفي به وتحفى إذا بره قال الكسائي يقال حفى بى حفاوة وحفوة وقال الفراء إنه كان بى حفيا اى عالما لطيفا يجيبني إذا دعوته
مريم :( ٤٨ ) وأعتزلكم وما تدعون.....
ثم صرح الخليل بما تضمنه سلامه من التوديع والمتاركة فقال ) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ( أى أهاجر بدينى عنكم وعن معبوداتكم حيث لم تقبلوا نصحي ولا نجعت فيكم دعوتى ) وأدعو ربي (


الصفحة التالية
Icon