"""""" صفحة رقم ٧٥ """"""
وأنصار فى صاحب وناصر قال وفى قوله ) فسالت أودية ( توسع أى سال ماؤها قال ومعنى ) بقدرها ( بقدر مائها لأن الأودية ما سالت بقدر أنفسها قال الواحدى والقدر مبلغ الشئ والمعنى بقدرها من الماء فإن صغر الوادى قل الماء وإن اتسع كثر وقال فى الكاشف بقدرها بمقدارها الذى يعرف الله أنه نافع للممطور عليهم غير ضار قال ابن الأنبارى شبه نزول القرآن الجامع للهدى والبيان بنزول المطر إذ نفع نزول القرآن يعم كعموم نفع نزول المطر وشبه الأودية بالقلوب إذ الأودية يستكن فيها الماء كما يستكن القرآن والإيمان فى قلوب المؤمنين ) فاحتمل السيل زبدا رابيا ( الزبد هو الأبيض المرتفع المنتفخ على وجه السيل ويقال له الغثاء والرغوة والرابى العالى المرتفع فوق الماء قال الزجاج هو الطافى فوق الماء وقال غيره هو الزائد بسبب انتفاخه من ربا يربو إذا زاد والمراد من هذا تشبيه الكفر بالزبد الذى يعلو الماء فإنه يضمحل ويعلق بجنبات الوادى وتدفعه الرياح فكذلك يذهب الكفر ويضمحل وقد تم المثل الأول ثم شرح سبحانه فى ذكر المثل الثانى فقال ) ومما يوقدون عليه في النار ( من لابتداء الغاية أى ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء أو للتبعيض بمعنى وبعضه زبد مثله والضمير للناس أضمر مع عدم سبق الذكر لظهوره هذا على قراءة يوقدون بالتحتية وبها قرأ حميد وابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائى وحفص وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب واختار القراءة الأولى أبو عبيد والمعنى ومما توقدون عليه فى النار فيذوب من الأجسام المنطرقة الذائبة ) ابتغاء حلية ( أى لطلب اتخاذ حلية تتزينون بها وتتجملون كالذهب والفضة ) أو متاع ( أى أو طلب متاع تتمتعون به من الأوانى والآلات المتخذة من الحديد والصفر والنحاس والرصاص ) زبد مثله ( المراد بالزبد هنا الخبث فإنه يعلو فوق ما أذيب من تلك الأجسام كما يعلو الزبد على الماء فالضمير فى مثله يعود إلى زبدا رابيا وارتفاع زبد على الابتداء وخبره مما يوقدون ) كذلك يضرب الله الحق والباطل ( أى مثل ذلك الضرب البديع يضرب لله مثل الحق ومثل الباطل ثم شرع فى تقسيم المثل فقال ) فأما الزبد فيذهب جفاء ( يقال جفأ الوادى بالهمز جفاء إذا رمى بالقذر والزبد قال الفراء الجفاء الرمى يقال جفأ الوادى غثاء جفاء إذا رمى به والجفاء بمنزلة الغثاء وكذا قال أبو عمرو بن العلاء وحكى أبو عبيدة أنه سمع رؤبة يقرأ جفالا قال أبو عبيدة يقال أجفلت القدر إذا قذفت بزبدها وأجفلت الريح السحاب إذا قطعته قال أبو حاتم لا يقرأ بقراءة رؤبة لأنه كان يأكل الفأر واعلم أن وجه المماثلة بين الزبدين فى الزبد الذى يحمله السيل والزبد الذى يعلو الأجسام المنطرقة أن تراب الأرض لما خالط الماء وحمله معه صار زبدا رابيا فوقه وكذلك ما يوقد عليه فى النار حتى يذوب من الأجسام المنطرقة فإن أصله من المعادن التى تنبت فى الأرض فيخالطها التراب فإذا أذيبت صار ذلك التراب الذى خالطها خبثا مرتفعا فوقها ) وأما ما ينفع الناس ( منهما وهو الماء الصافى والذائب الخالص من الخبث ) فيمكث في الأرض ( أى يثبت فيها أما الماء فإنه يسلك فى عروق الأرض فتنتفع الناس به وأما ما أذيب من تلك الأجسام فإنه يصاغ حلية وأمتعة وهذان مثلان ضربهما الله سبحانه للحق والباطل يقول إن الباطل وإن ظهر على الحق فى بعض الأحوال وعلاه فإن الله سبحانه سيمحقه ويبطله ويجعل العاقبة للحق وأهله كالزبد الذى يعلو الماء فيلقيه الماء ويضمحل وكخبث هذه الأجسام فإنه وإن علا عليها فإن الكير يقذفه ويدفعه فهذا مثل الباطل وأما الماء الذى ينفع الناس وينبت المراعى فيمكث فى الأرض وكذلك الصفو من هذه الأجسام فإنه يبقى خالصا لا شوب فيه وهو مثل الحق قال الزجاج فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان كمثل هذا الماء المنتفع به فى نبات الأرض وحياة كل شيء وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الجواهر لأنها كلها تبقى منتفعا


الصفحة التالية
Icon