"""""" صفحة رقم ١٢١ """"""
من أحوال محمد ( ﷺ ) إلا الصدق فكيف يكون كما زعموا ثم إن هؤلاء الكهنة يعظمون الشياطين وهذا النبى المرسل من عند الله برسالته إلى الناس يذمهم ويلعنهم ويأمر بالتعوذ منهم
الشعراء :( ٢٢٤ ) والشعراء يتبعهم الغاوون
ثم لما كان قد قال قائل من المشركين إن النبى ( ﷺ ) شاعر بين سبحانه حال الشعراء ومنافاة ماهم عليه لما عليه النبى ( ﷺ ) فقال ) والشعراء يتبعهم الغاوون ( والمعنى أن الشعراء يتبعهم أى يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم الغاوون أى الضالون عن الحق والشعراء جمع شاعر والغاوون جمع غاو وهم ضلال الجن والإنس وقيل الزائلون عن الحق وقيل الذين يروون الشعر المشتمل على الهجاء وما لايجوز وقيل المراد شعراء الكفار خاصة قرأ الجمهور والشعراء بالرفع على أنه مبتدأ وخبره مابعده وقرأ عيسى بن عمر الشعراء بالنصب على الاشتغال وقرأ نافع وشيبة والحسن والسلمى يتبعهم بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد
الشعراء :( ٢٢٥ ) ألم تر أنهم.....
ثم بين سبحانه قبائح شعراء الباطل فقال ) ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ( والجملة مقررة لما قبلها والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية يقال هام يهيم هيما وهيمانا إذا ذهب علي وجهه أى ألم تر أنهم فى كل فن من فنون الكذب يخوضون وفى كل شعب من شعاب الزور يتكلمون فتارة يمزقون الأعراض بالهجاء وتارة يأتون من المجون بكل مايمجه السمع ويستقبحه العقل وتارة يخوضون فى بحر السفاهة والوقاحة ويذمون الحق ويمدحون الباطل ويرغبون فى فعل المحرمات ويدعون الناس إلى فعل المنكرات كما تسمعه فى أشعارهم من مدح الخمر والزنا واللواط ونحو هذه الرذائل الملعونة
الشعراء :( ٢٢٦ ) وأنهم يقولون ما.....
ثم قال سبحانه ) وأنهم يقولون ما لا يفعلون ( أى يقولون فعلنا وفعلنا وهم كذبة فى ذلك فقد يدلون بكلامهم على الكرم والخير ولايفعلونه وقد ينسبون إلى أنفسهم من أفعال الشر مالا يقدرون علي فعله كما تجده فى كثير من أشعارهم من الدعاوى الكاذبة والزور الخالص المتضمن لقذف المحصنات وأنهم فعلوا بهن كذا وكذا وذلك كذب محض وافتراء بحت
الشعراء :( ٢٢٧ ) إلا الذين آمنوا.....
ثم استثنى سبحانه الشعراء المؤمنين الصالحين الذين أغلب أحوالهم تحرى والصدق فقال ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( أى دخلوا فى حزب المؤمنين وعملوا بأعمالهم الصالحة ) وذكروا الله كثيرا ( فى أشعارهم ) وانتصروا من بعد ما ظلموا ( كمن يهجو منهم من هجاء أو ينتصر لعالم أو فاضل كما كان يقع من شعراء النبى ( ﷺ ) فإنهم كانوا يهجون من يهجوه ويحمون عنه ويذبون عن عرضه ويكافحون شعراء المشركين وينافحونهم ويدخل فى هذا من انتصر بشعره لأهل السنة وكافح أهل البدعة وزيف مايقوله شعراؤهم من مدح بدعتهم وهجو السنة المطهرة كما يقع ذلك كثيرا من شعراء الرافضة ونحوهم فإن الانتصار للحق وتزييف الباطل به من أعظم المجاهدة وفاعلة من المجاهدين فى سبيل الله المنتصرين لدينه القائمين بما أمر الله بالقيام به
واعلم أن الشعر فى نفسه ينقسم إلى أقسام فقد يبلغ ما لا خير فيه منه إلى قسم الحرام وقد يبلغ ما فيه خير منه إلى قسم الواجب وقد وردت أحاديث فى ذمه وذم الاستكثار منه ووردت أحاديث أحر فى إباحته وتجويزه والكلام فى تحقيق ذلك يطول وسنذكر فى أخر البحث ماورد فى ذلك من الأحاديث ختم سبحانه هذه السورة بآية جامعة للوعيد كله فقال ) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ( فإن فى قوله سيعلم تهويلا عظيما وتهديدا شديد وكذا فى إطلاق الذين ظلموا وإبهام أى منقلب ينقلبون وخصص هذه الاية بعضهم بالشعراء ولا وجه لذلك فإن الاعتبار بعموم اللفظ وقوله ) أي منقلب ( صفة لمصدر محذوف أى ينقلبون منقلبا أى منقلب وقدم لتضمنه معني الاستفهام ولايعمل فيه سيعلم لأن الاستفهام لايعمل فيه ماقبله بل هو معلق عن العمل فيه وقرأ ابن عباس والحسن أى منفلت ينقلتون بالفاء مكان القاف والتاء مكان الباء من الانفلات


الصفحة التالية
Icon