"""""" صفحة رقم ١٣٠ """"""
للناس تحدثا بما أنعم الله به عليه وشكر النعمة التي خصه بها وقدم منطق الطير لأنها نعمة خاصة به لايشاركه فيها غيره قال الفراء منطق الطير كلام الطير فجعل كمنطق الرجل وأنشد قول حميد بن ثور عجيب لها أن يكون غناؤها
فصيحا ولم يغفر بمنطقها فما
ومعنى الآية فهمنا ما يقول الطير قال جماعة من المفسرين إنه علم منطق جميع الحيوانات وإنما ذكر الطير لأنه كان جندا من جنده يسير معه لتظليله من الشمس وقال قتادة والشعبى إنما علم منطق الطير خاصة ولا يعترض ذلك بالنملة فإنها من جملة الطير وكثيرا ما تخرج لها أجنحة فتطير وكذلك كانت هذه النملة التى سمع كلامها وفهمه ومعنى ) وأوتينا من كل شيء ( كل شىء تدعو إليه الحاجة كالعلم والنبوة والحكمة والمال وتسخير الجن والإنس والطير والرياح والوحش والدواب وكل مابين السماء والأرض وجاء سليمان بنون العظمة والمراد نفسه بيانا لحاله من كونه مطاعا لايخالف لاتكبرا وتعظيما لنفسه والإشارة بقوله ) إن هذا ( إلى ماتقدم ذكره من التعليم والإيتاء ) لهو الفضل المبين ( أى الظاهر الواضح الذى لايخفى على أحد أو المظهر لفضيلتنا
النمل :( ١٧ ) وحشر لسليمان جنوده.....
) وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير ( الحشر الجمع أى جمع له حنوده من هذه الأجناس وقد أطال المفسرون فى ذكر مقدار جنده وبالغ كثير منهم مبالغة تستبعدها العقول ولاتصح من جهة النقل ولو صحت لكان في القدرة الربانية ماهو أعظم من ذلك وأكثر ) فهم يوزعون ( أى لكل طائفة منهم وزعة ترد أولهم على آخرهم فيقفون على مراتبهم يقال وزعه يزعه وزعا كفه والوازع فى الحرب الموكل بالصفوف يزع من تقدم منهم أى يرده ومنه قول النابغة على حين عاتبت المشيب على الصبا
وقلت ألما أصح والشيب وازع
وقل آخر ومن لم يزعه لبه وحياؤه
فليس له من شيب فوديه وازع
وقول آخر ولايزع النفس اللجوج عن الهوى
من الناس إلا وافر العقل كامله
وقيل من التوزيع بمعنى التفريق يقال القوم أوزاع أى طوائف
النمل :( ١٨ ) حتى إذا أتوا.....
) حتى إذا أتوا على وادي النمل ( حتى هى التى يبتدأ بعدها الكلام ويكون غاية لما قبلها والمعنى فهم يوزعون إلى حصول هذه الغاية وهو إتيانهم على واد النمل أى فهم يسيرون ممنوعا بعضهم من مفارقة بعض حتى إذا أتوا الخ وعلى واد النمل متعلق بأتوا وعدى بعلى لأنهم كانوا محمولين على الريح فهم مستعلون والمعنى أنهم قطعوا الوادى وبلغوا اخره ووقف القراء جميعهم على واد بدون ياء اتباعا للرسم حيث لم تحذف لالتقاء الساكنين كقوله ) الذين جابوا الصخر بالواد ( إلا الكسائى فإنه وقف بالياء قال لأن الموجب للحذف إنما هو التقاء الساكنين بالوصل قال كعب واد النمل بالطائف وقال قتادة ومقاتل هو بالشام ) قالت نملة ( هذا جواب إذا كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادى فرت ونبهت سائر النمل منادية لها قائلة ) يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ( جعل خطاب النمل كخطاب العقلاء لفهمها لذلك الخطاب والمساكن هى الأمكنة التى يسكن النمل فيها
قيل وهذه النملة التي سمعها معها سليمان هى أنثى بدليل تأينث الفعل المسند إليها ورد هذا أبو حيان فقال لحاق التاء فى قالت لايدل على أن النملة مؤنثة بل يصح أن يقال فى المذكر قالت لأن نملة وإن كانت بالتاء فهى مما لايتميز فيه المذكر من المؤنث بتذكير الفعل ولابتأنيثه بل يتميز بالإخبار عنه بأنه ذكر أو أنثى ولايتعلق بمثل هذا كثير فائدة ولا بالتعرض لاسم النملة ولما ذكر من القصص الموضوعة والأحاديث المكذوبة وقرأ الحسن وطلحة ومعمر بن سليمان نملة والنمل بضم الميم وفتح النون بزنة رجل وسمرة وقرأ سليمان التيمى بضمتين فيهما