"""""" صفحة رقم ٤٤٥ """"""
فيه وقد مر الكلام فى هذا فى سورة النساء ) فقعوا له ساجدين ( هو أمر من وقع يقع وانتصاب ساجدين على الحال والسجود هنا هو سجود التحية لا سجود العبادة وقد مضى تحقيقه فى سورة البقرة
ص :( ٧٣ ) فسجد الملائكة كلهم.....
) فسجد الملائكة ( فى الكلام حذف تدل عليه الفاء والتقدير فخلقه فسواه ونفخ فيه من روحه فسجد له الملائكة وقوله ) كلهم ( يفيد أنهم سجدوا جميعا ولم يبق منهم أحد وقوله ) أجمعون ( يفيد أنهم اجتمعوا على السجود فى وقت واحد فالأول لقصد الإحاطة والثانى لقصد الاجتماع قال فى الكشاف فأفادا معا أنهم سجدوا عن آخرهم ما بقى منهم ملك إلا سجد وأنهم سجدوا جميعا فى وقت واحد غير متفرقين فى أوقات وقيل إنه أكد بتأكيدين للمبالغة فى التعميم
ص :( ٧٤ ) إلا إبليس استكبر.....
) إلا إبليس ( الاستثناء متصل على تقدير أنه كان متصفا بصفات الملائكة داخلا فى عدادهم فغلبوا عليه أو منقطع على ما هو الظاهر من عدم دخوله فيهم أى لكن إبليس ) استكبر ( أى أنف من السجود جهلا منه بأنه طاعة لله و كان استكباره استكبار كفر فلذلك ) وكان من الكافرين ( أى صار منهم بمخالفته لأمر الله واستكباره عن طاعته أو كان من الكافرين فى علم الله سبحانه وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى فى سورة البقرة والأعراف وبنى إسرائيل والكهف وطه
ص :( ٧٥ ) قال يا إبليس.....
ثم إن الله سبحانه سأله عن سبب تركه للسجود الذي أمره به ف ) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ( أي ما صرفك وصدك عن السجود لما توليت خلقه من غير واسطة وأضاف خلقه إلى نفسه تكريما له وتشريفا مع أنه سبحانه خالق كل شىء كما أضاف إلى نفسه الروح والبيت والناقة والمساجد قال مجاهد اليد هنا بمعنى التأكيد والصلة مجازا كقوله ) ويبقى وجه ربك ( وقيل أراد باليد القدرة يقال ما لى بهذا الأمر يد وما لى به يدان أى قدرة ومنه قول الشاعر تحملت من ذلفاء ما ليس لى يد
ولا للجبال الراسيات يدان
وقيل التثنية فى اليد للدلالة على أنها ليس بمعنى القوة والقدرة بل للدلالة على أنهما صفتان من صفات ذاته سبحانه و ما فى قوله ) لما خلقت ( هى المصدرية أو الموصولة وقرأ الجحدرى لما بالتشديد مع فتح اللام على أنها ظرف بمعنى حين قال أبو على الفارسى وقرىء بيدى على الإفراد ) أستكبرت ( قرأ الجمهور بهمزة الاستفهام وهو استفهام توبيخ وتقريع و أم متصلة وقرأ ابن كثير فى رواية عنه وأهل مكة بألف وصل ويجوز أن يكون الاستفهام مراد فيوافق القراءة الأولى كما فى قول الشاعر تروح من الحى أم تبتكر
وقول الآخر
بسبع رمين الجمر أم بثمانيا
ويحتمل أن يكون خبرا محضا من غير إرادة للاستفهام فتكون أم منقطعة والمعنى استكبرت عن السجود الذى أمرت به بل أ ) كنت من العالين ( أى المستحقين للترفع عن طاعة أمر الله المتعالين عن ذلك وقيل المعنى استكبرت عن السجود الآن أم لم تزل من القوم الذين يتكبرون عن ذلك
ص :( ٧٦ ) قال أنا خير.....
وجملة ) قال أنا خير منه ( مستأنفة جواب سؤال مقدر ادعى اللعين لنفسه أنه خير من آدم وفى ضمن كلامه هذا أن سجود الفاضل للمفضول لا يحسن ثم علل ما ادعاه من كونه خيرا منه بقوله ) خلقتني من نار وخلقته من طين ( وفى زعمه أن عنصر النار أشرف من عنصر الطين وذهب عنه أن النار إنما هى بمنزلة الخادم لعنصر الطين إن احتيج إليها استدعيت كما يستدعى الخادم وإن استغنى عنها طردت وأيضا فالطين يستولى على النار فيطفئها وأيضا فهى لا توجد إلا بما أصله من عنصر الأرض وعلى كل حال فقد شرف آدم بشرف وكرم بكرامة لا يوازيها شىء من شرف العناصر وذلك أن الله خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه والجواهر فى أنفسها متجانسة وإنما تشرف بعارض من عوارضها
ص :( ٧٧ ) قال فاخرج منها.....
وجملة ) قال فاخرج منها ( مستأنفة كالتى قبلها أى فاخرج من الجنة أو من زمرة الملائكة ثم علل أمره بالخروج بقوله ) فإنك رجيم (


الصفحة التالية
Icon