"""""" صفحة رقم ٤٨٩ """"""
الآية وقد تمحل لذلك بأن فى الآية تقديما وتأخيرا والتقدير وقال رجل مؤمن من بنى إسرائيل يكتم إيمانه من آل فرعون قال القشيرى ومن جعله إسرائيليا ففيه بعد لأنه يقال كتمه أمر كذا ولا يقال كتم منه كما قال سبحانه ) ولا يكتمون الله حديثا ( وأيضا ما كان فرعون يحتمل من بنى إسرائيل مثل هذا القول
وقد اختلف فى اسم هذا الرجل فقيل حبيب وقيل حزقيل وقيل غير ذلك قرأ الجمهور رجل بضم الجيم وقرأ لأعمش وعبد الوارث بسكونها وهى لغة تميم ونجد والأولى هى الفصيحة وقرىء بكسر الجيم ومؤمن صفة لرجل ) من آل فرعون ( صفة أخرى ويكتم إيمانه صفة ثالثة والاستفهام فى ) أتقتلون رجلا ( للإنكار و ) أن يقول ربي الله ( فى موضع نصب بنزع الخافض أى لأن يقول أو كراهة أن يقول وجملة ) وقد جاءكم بالبينات من ربكم ( فى محل نصب على الحال أى والحال أنه قد جاءكم بالمعجزات الواضحات والدلالات الظاهرات على نبوته وصحة رسالته ثم تلطف لهم فى الدفع عنه فقال ) وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ( ولم يكن قوله هذا لشك منه فإنه كان مؤمنا كما وصفه الله ولا يشك المؤمن ومعنى ) يصبكم بعض الذي يعدكم ( أنه إذا لم يصبكم كله فلا أقل من أن يصيبكم بعضه وحذفت النون من يكن فى الموضعين تخفيفا لكثرة الاستعمال كما قال سيبويه وقال أو عبيدة وأبو الهيثم بعض هنا بمعنى كل أي يصيبكم كل الذى يعدكم وأنشد أبو عبيدة على هذا اقول لبيد تراك أمكنة إذا لم أرضها
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
أى كل النفوس وقد اعترض عليه وأجيب بأن البعض قد يستعمل فى لغة العرب بمعنى الكل كما فى قول الشاعر قد يدرك المتأنى بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
وقول الآخر إن الأمور إذا الأحداث دبرها
دون الشيوخ ترى فى بعضها خللا
وليس فى البيتين ما يدل على ما زعموه وأما بيت لبيد فقيل إنه أراد ببعض النفوس نفسه ولا ضرورة تلجىء إلى حمل ما فى الآية على ذلك لأنه أراد التنزل معهم وإيهامهم أنه لا يعتقد صحة نبوته كما يفيده قوله ) يكتم إيمانه ( قال أهل المعانى وهذا على المظاهرة فى الحجاج كأنه قال لهم أقل ما يكون فى صدقه أن يصيبكم بعض الذى يعدكم وفى بعض ذلك هلاككم فكأن الحاصل بالبعض هو الحاصل بالكل وقال الليث بعض ها هنا صلة يريد يصبكم الذى يعدكم وقيل يصبكم هذا العذاب الذى يقوله فى الدنيا وهو بعض ما يتوعدكم به من العذاب وقيل إنه وعدهم بالثواب والعقاب فإذا كفروا أصابهم العقاب وهو بعض ما وعدهم به ) إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ( هذا من تمام كلام الرجل المؤمن وهو احتجاج آخر ذو وجهين أحدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله إلى البينات ولا أيده بالمعجزات وثانيهما أنه إذا كان كذلك خذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله والمسرف المقيم على المعاصى المستكثر منها والكذاب المفترى
غافر :( ٢٩ ) يا قوم لكم.....
) يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض ( ذكرهم ذك الرجل المؤمن ما هم فيه من الملك ليشكروا الله ولا يتمادوا فى كفرهم ومعنى ظاهرين الظهور على الناس والغلبة لهم والاستعلاء عليهم والأرض أرض مصر وانتصاب ظاهرين على الحال ) فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ( أى من يمنعنا من عذابه ويحول بيننا وبينه عند مجيئه وفى هذا تحذير منه لهم من نقمة الله بهم وإنزال عذابه عليهم فلما سمع فرعون ما قاله هذا الرجل من النصح الصحيح جاء بمراوغة يوهم بها قومه أنه لهم من النصيحة والرعاية بمكان مكين وأنه لا يسلك بهم إلا مسلكا يكون فيه جلب النفع لهم ودفع الضر عنهم ولهذا قال ) ما أريكم إلا ما أرى ( قال ابن زيد أى ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسى وقال الضحاك


الصفحة التالية
Icon