"""""" صفحة رقم ٦١ """"""
وفيه رد على طوائف المشركين من الوثنية والثنوية وأهل الشرك الخفى والصفة الرابعة ) وخلق كل شيء ( من الموجودات ) فقدره تقديرا ( أى قدر كل شيء مما خلق بحكمته على ما أراد وهيأه لما يصلح له قال الواحدى قال المفسرون قدر له تقديرا من الأجل والرزق فجرت المقادير على ماخلق وقيل أريد بالخلق هنا مجرد الإحداث والإيجاد مجازا من غير ملاحظة معنى التقدير وإن لم يخل عنه في نفس الأمر فيكون المعنى أوجد كل شىء فقدره لئلا يلزم التكرار
الفرقان :( ٣ ) واتخذوا من دونه.....
ثم صرح سبحانه بتزييف مذاهب عبدة الأوثان فقال ) واتخذوا من دونه آلهة ( والضمير في اتخذوا للمشركين وإن لم يتقدم لهم ذكر لدلالة نفى الشريك عليهم أى اتخذ المشركون لأنفسهم متجاوزين الله آلهة ) لا يخلقون شيئا ( والجملة في محل مصب صفة الآلهة أى لايقدرون على خلق شىء من الأشياء وغلب العقلاء علي غيرهم لأن في معبودات الكفار الملائكة وعزير والمسيح ) وهم يخلقون ( أى يخلقهم الله سبحانه وقيل عبر عن الآلهة بضمير العقلاء جريا على اعتقاد الكفار أنها تضر وتنفع وقيل معنى ) وهم يخلقون ( أن عبدتهم يصورونهم ثم لما وصف سبحانه نفسه بالقدرة الباهرة وصف آلهة المشركين بالعجز البالغ فقال ) ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ( أى لايقدرون على أن يجلبوا لأنفسهم نفعا ولايدفعوا عنها ضررا وقدم ذكر الضر لأن دفعه أهم من جلب النفع وإذا كانوا بحيث لايقدرون على الدفع والنفع فيما يتعلق بأنفسهم فكيف يملكون ذلك لمن يعبدهم ثم زاد في بيان عجزهم فنصص على هذه الأمور فقال ) ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ( أى لايقدرون على إماتة الأحياء ولا إحياءالموتى ولا بعثهم من القبور لأن النشور الإحياء بعد الموت يقال أنشر الله الموتى فنشروا ومنه قول الأعشى
حتى يقول الناس مما رأوا
يا عجبا للميت الناشر
الفرقان :( ٤ ) وقال الذين كفروا.....
ولما فرغ من بيان التوحيد وتزييف مذاهب المشركين شرع في ذكر شبه منكرى النبوة فالشبهة الأولى ما حكاه عنهم بقوله ) وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك ( أى كذب افتراه أى اختلقه محمد ( ﷺ ) والإشارة بقوله هذا إلى القرآن ) وأعانه عليه ( أى علي الاختلاق ) قوم آخرون ( يعنون من اليهود قيل وهم أبو فكيهة يسار مولى الحضرمى وعداس مولى حويطب بن عبد العزى وجبر مولى ابن عامر وكان هؤلاء الثلاثة من اليهود وقد مر الكلام على مثل هذا في النحل ثم رد الله سبحانه عليهم فقال ) فقد جاؤوا ظلما وزورا ( أى فقد قالوا ظلما هائلا عظيما وكذابا ظاهرا وانتصاب ظلما بجاءوا فإن جاء قد يستعمل استعمال أتى ويعدى تعديته وقال الزجاج إنه منصوب بنزع الخافض والأصل جاءوا بظلم وقيل هو منتصب على الحال وإنما كان ذلك منهم ظلما لأنهم نسبوا القبيح إلى من هو مبرأ منه فقد وضعوا الشىء في غير موضعه وهذا هو الظلم وأما كون ذلك منهم زورا فظاهر لأنهم قد كذبوا فى هذه المقالة
الفرقان :( ٥ ) وقالوا أساطير الأولين.....
ثم ذكر الشبهة الثانية فقال ) وقالوا أساطير الأولين ( أى أحاديث الأولين وما سطروه من الأخبار قال الزجاج واحد الأساطير أسطورة مثل أحاديث وأحدوثة وقال غيره أساطير جمع أسطار مثل أقاويل وأقوال اكتتبها أى استكتبها أو كتبها لنفسه ومحل اكتتبها النصب على أنه حال من أساطير أو محله الرفع على أنه خبر ثان لأن أساطير مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هذه أساطير الأولين اكتتبها ويجوز أن يكون أساطير مبتدأ واكتتبها خبره ويجوز أن يكون معنى اكتتبها جمعها من الكتب وهو الجمع لا من الكتابة بالقلم والأول أولى وقرأ طلحة اكتتبها مبنيا للمفعول والمعنى اكتتبها له كاتب لأنه كان أميا لا يكتب ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه ثم بنى الفعل للضمير الذى هو إياه فانقلب مرفرعا مستترا بعد أن كان منصوبا بارزا كذا قال في الكشاف واعترضه أبو حيان ) فهي تملى عليه ( أى تلقى عليه تلك الأساطير بعد ما اكتتبها ليحفظها من أفواه