"""""" صفحة رقم ٩٤ """"""
فأقحمت الأعناق لزيادة التقرير والتصوير لأن الأعناق موضع الخضوع وقيل أنها لما وضعت الأعناق بصفات العقلاء أجريت مجراهم ووصفت بما يوصفون به قال عيسى بن عمر خاضعين وخاضعة هنا سواء واختاره المبرد والمعنى أنها إذا ذلت رقابهم ذلوا فالإخبار عن الرقاب إخبار عن أصحابها ويسوغ فى كلام العرب أن يترك الخبر عن الأول ويخبر عن الثانى ومنه قول الراجز طول الليالى أسرعت فى نقضى
طوين طولى وطوين عرضي
فأخبر عن الليالي وترك الطول ومنه قول جرير أرى مر السنين أخذن منى
كما أخذ السرار من الهلال
وقال أبو عبيد والكسائى إن المعنى خاضعيها هم وضعفه النحاس وقال مجاهد أعناقهم كبراؤهم قال النحاس وهذا معروف فى اللغة يقال جاءنى عنق من الناس أى رؤساء منهم وقال أبو زيد والأخفش أعناقهم جماعاتهم يقال جاءنى عنق من الناس أي جماعة
الشعراء :( ٥ ) وما يأتيهم من.....
) وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين ( بين سبحانه أنه مع اقتداره على أن يجعلهم ملجئين إلى الإيمان يأتيهم بالقرآن حالا بعد حال وأن لايجدد لهم موعظة وتذكيرا إلا جددوا ماهو نقيض المقصود وهو الإعراض والتكذيب والاستهزاء ومن فى من ذكر مزيدة لتأكيد العموم ومن فى من ربهم لابتداء الغاية والاستثناء مفرغ من أعم العام محله النصب على الحالية من مفعول يأتيهم وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية في سورة الانبياء
الشعراء :( ٦ ) فقد كذبوا فسيأتيهم.....
) فقد كذبوا ( أى بالذكر الذى يأتيهم تكذيبا صريحا ولم يكتفوا بمجرد الإعراض وقيل إن الإعراض بمعنى التكذيب لأن من أعرض عن شىء ولم يقبله فقد كذبه وعلى هذا فيكون ذكر التكذيب للدلالة على صدور ذلك منهم على وجه التصريح والأول أولى فالإعراض عن الشىء عدم الالتفات إليه ثم انتقلوا عن هذا إلى ماهو أشد منه وهو التصريح بالتكذيب ثم انتقلوا عن التكذيب إلى ماهو أشد منه وهو الأستهزاء كما يدل عليه قوله ) فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ( والأنباء هى مايستحقونه من العقوبة آجلا وعاجلا وسميت أنباء لكونها مما أنبأ عنه القرآن وقال ) ما كانوا به يستهزؤون ( ولم يقل ماكانوا عنه معرضين أو ماكانوا به يكذبون لأن الاستهزاء أشد منهما ومستلزم لهما وفى هذا وعيد شديد وقد مر تفسير مثل هذا فى سورة الأنعام
الشعراء :( ٧ ) أو لم يروا.....
ثم ذكر سبحانه مايدل على كمال قدرته من الأمور الحسية التى يحصل بها للمتأمل فيها والناظر إليها والمستدل بها أعظم دليل وأوضح برهان فقال ) أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم ( الهمزة للتوبيخ والواو للعطف على مقدر كما فى نظائره فنبه سبحانه على عظمته وقدرته وأن هؤلاء المكذبين المستهزئين لو نظروا حق النظر لعلموا أنه سبحانه الذى يستحق أن يعبد والمراد بالزوج هنا الصنف وقال الفراء هو اللون وقال الزجاج معنى زوج نوع وكريم محمود والمعنى من كل زوج نافع لايقدر على إنباته إلا رب العالمين والكريم فى الأصل الحسن الشريف يقال نخلة كريمة أى كثيرة الثمرة ورجل كريم شريف فاضل وكتاب كريم إذا كان مرضيا فى معانيه والنبات الكريم هو المرضى فى منافعة قال الشعبى الناس مثل نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم ومن صار منهم إلى النار فهو لئيم
الشعراء :( ٨ ) إن في ذلك.....
والإشارة بقوله ) إن في ذلك لآية ( إلي المذكور قبله أى إن فيما ذكر من الإنبات فى الأرض لدلالة بينة وعلامة واضحة على كمال قدرة الله سبحانه وبديع صنعته ثم أخبر سبحانه بأن أكثر هؤلاء مستمر على ضلالته مصمم على جحوده وتكذيبه واستهزائه فقال ) وما كان أكثرهم مؤمنين ( أى سبق علمى فيهم أنهم سيكونون هكذا وقال سيبويه إن كان هنا صلة
الشعراء :( ٩ ) وإن ربك لهو.....
) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( أى


الصفحة التالية
Icon