"""""" صفحة رقم ٢٠٧ """"""
الحشر :( ٢١ ) لو أنزلنا هذا.....
لما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة وأهل النار وبين عدم استوائهم في شيء من الأشياء ذكر تعظيم كتابه الكريم وأخبر عن جلالته وأنه حقيق بأن تخشع له القلوب وترق له الأفئدة فقال ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) أي من شأنه وعظمته وجودة ألفاظه وقوه مبانيه وبلاغته واشتماله على المواعظ التي تلين لها القلوب أنه لو أنزل على جبل من الجبال الكائنة في الأرض لرأيته مع كونه في غاية القسوة وشدة الصلابة وضخامة الجرم خاشعا متصدعا أي متشققا من خشية الله سبحانه حذرا من عقابه وخوفا من أن لا يؤدى ما يجب عليه من تعظيم كلام الله وهذا تمثيل وتخييل يقتضى علو شأن القرآن وقوة تأثيره في القلوب ويدل على هذا قوله ) وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ( فيما يجب عليهم التفكر فيه ليتعظوا بالمواعظ وينزجروا بالزواجر وفيه توبيخ وتقريع للكفار حيث لم يخشعوا للقرآن ولا اتعظوا بمواعظه ولا انزجروا بزواجره والخاشع الذليل المتواضع وقيل الخطاب للنبي ( ﷺ ) أي لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت ولتصدع من نزوله عليه وقد أنزلناه عليك وثبتناك له وقويناك عليه فيكون على هذا من باب الامتنان على النبي ( ﷺ ) لأن الله سبحانه ثبته لما لا تثبت له الجبال الرواسي
الحشر :( ٢٢ ) هو الله الذي.....
ثم أخبر سبحانه بربوبيته وعظمته فقال ( هو الله الذي لا إله إلا هو ) وفي هذا تقرير للتوحيد ودفع للشرك ( عالم الغيب والشهادة ) أي عالم ما غاب من الإحساس وما حضر وقيل عالم السر والعلانية وقيل ما كان وما يكون وقيل الآخرة والدنيا وقدم الغيب على الشهادة لكونه متقدما وجودا ( هو الرحمن الرحيم ) قد تقدم تفسير هذين الاسمين
الحشر :( ٢٣ ) هو الله الذي.....
( هو الله الذي لا إله إلا هو ) كرره للتأكيد والتقرير لكون التوحيد حقيقا بذلك ( الملك القدوس ) أي الطاهر من كل عيب المنزه عن كل نقص والقدس بالتحريك في لغة أهل الحجاز السطل لأنه يتطهر به ومنه القادوس لواحد الأواني التي يستخرج بها الماء قرأ الجمهور القدوس بضم القاف وقرأ أبو ذر وأبو السماك بفتحها وكان سيبويه يقول سبوح قدوس بفتح أولهما وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه سمع عند الكسائي أعرابيا فصيحا يقرأ القدوس بفتح القاف قال ثعلب كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس فإن الضم فيهما أكثر وقد يفتحان ( السلام ) أي الذي سلم من كل نقص وعيب وقيل المسلم على عبادة في الجنة كما قال سلام قولا من رب رحيم وقيل الذي سلم الخلق من ظلمه وبه قال الأكثر وقيل المسلم لعباده وهو مصدر وصف به للمبالغة ( المؤمن ) أي الذي وهب لعباده الأمن من عذابه وقيل المصدق لرسله بإظهار المعجزات وقيل المصدق للمؤمنين بما وعدهم به من الثواب والمصدق للكافرين بما أوعدهم به من العذاب يقال أمنه من الأمن وهو ضد الخوف ومنه قول النابغة والمؤمن العائذات الطير يمسحها
ركبان مكة بين الغيل والسند
وقال مجاهد المؤمن الذي وحد نفسه بقوله شهد الله أنه لا إله إلا هو قرأ الجمهور المؤمن بكسر الميم اسم فاعل من آمن بمعنى أمن وقرأ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بفتحها بمعنى المؤمن به على الحذف كقوله واختار موسى قومه وقال أبو حاتم لا تجوز هذه القراءة لأن معناه أنه كان خائفا فأمنه غيره ( المهيمن ) أي


الصفحة التالية
Icon