لذلك كان الإيمان في الإسلام معنى يشتمل على الإنسان بكامله، يشبع جميع طاقاته وملكاته، يستوي في ذلك جانب الإدراك الواعي وهو ما يسمَّى: بالعقل، وجانب الإدراك الباطن، وهو يشمل المشاعر والوجدان وما يسمَّى بالقلب. والحقائق الإيمانية ثابتة عقلًا وقلبًا، لكنها غير مدركة حسًّا ومادةً، فهي حاضرة في العقل والقلب، غائبة عن الحس المادي. وهذا يعني أنه ليس ثمَّ تلازم بين الإدراك العقلي والقلبي والإدراك الحسي المادي، بل بين الإدراكين انفكاك، فليس كل غائب حسًّا غائبًا عقلًا وقلبًا، كما أنه ليس كل حاضر حسًّا حاضرًا عقلًا وقلبًا فقد يكون الشئ غائبًا حسًّا ومادةً، ولكنه موجود عقلًا وقلبًا، وذلك كعالم الغيب وما فيه وأظهر الحقائق الغيبية هو الحق المبين (الله) ثم بقية الحقائق العقدية التى يقوم عليها الإيمان.
وعلى النقيض من ذلك، قد يكون الشئ حاضرًا حسًّا، لكنه غائب عقلًا وقلبًا وواقعًا، وذلك مثل حالات التوهم الكاذب والتخيل الفاسد، فكم من إدراك حسي هو خالٍ من كل حقيقة، وقد أشار الإمام (أبو حامد الغزالي) إلى شئ من ذلك حين قال: إن العين ترى الشمس مثل الدينار، وهي أكبر من الأرض في المقدار، ومثل الممرور، أعني المريض بالصفراء، فإنه يجد السكر مرًّا في فمه، وهو حلو في واقع الأمر، ومثل ما وقع من سحرة (فرعون) من سحر، فإنه في واقع الأمر تخييل وإيهام لا حقيقة له في العقل والواقع، وإن كان موجودًا في حس الذين شاهدوه. وقد قال الله - سبحانه وتعالى - في شأن موسى - عليه السلام -: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ طه/٦٦.
ثالثًا: الغيب:
الإيمان بالغيب هو أساس العقيدة في الإسلام، وهو أساس الدين كله، وهو كذلك بالنسبة إلى كثير من الأديان، وهو كذلك بالنسبة إلى اليهودية والنصرانية، مع شئ من التجوز. إلا أن الغيبيات في الإسلام تختلف عنها في