ثانيًا: علاقة الله - - سبحانه وتعالى - - بالعلم مباشرة ولا تقوم على الوسائط:
الخلق والحفظ والتدبير والإفناء ثم البعث والحساب، كل ذلك فعل ﴿الله - سبحانه وتعالى - ؟﴾ الخالص، وإبداعه المحض، دون وسائط أو معينين - جل الله عن ذلك. ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى - الذى يوجد الأشياء ويفنيها ويدبر الأمر كله بكلمة (كُنْ) لا يتصور أن يكون - سبحانه وتعالى - محتاجًا إلى وسائط، كما لا يتخيل أن يكون فعله على مراحل، إلا إذا كانت المرحلية أمرًا اقتضته إرادته - عز وجل -.
وقد ضلّ قوم من الفلاسفة ومن شايعهم، حيث زعموا أن ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى - لم يخلق الكون ولم يدبره بذاته - سبحانه وتعالى - وإنما كان ذلك عن طريق وسائط هم الذين خلقوا ويخلقون، وهم الذين دبروا ويدبرون وأن الله لا صلة له بشئ من ذلك، ولا علم له ولا إرادة في كل ما يجري بتفاصيله ودقائقه - سبحانه وتعالى - عمّا يصفون. إن ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى - هو خالق، ومدبر أمورهم، ومصرف شئونهم. وقد اقتضت حكمته - سبحانه وتعالى - أن يقيم هذا العالم على قوانين ثابتة، وأن يضع له نواميس وسننًا مستقرة، فقام نظام العالم على قوانين الأسباب والمسببات، والعلل والمعلولات، كل ذلك حتى تستقيم أمور الخلق على أسس ثابتة، وقوانين منضبطة، وحتى يبنوا حياتهم، ويسيروا في أمور معاشهم على سنن وقوانين معروفة لهم ومألوفة لديهم. فإذا ما أرادوا تحقيق شئ سلكوا إليه سبيله، وأخذوا بأسبابه، وبخاصة في عمارة الكون، وخلافة الأرض التى خلقوا من أجلها وكلفوا بها. ولم يكن ممكنًا أن يحققوا الأهداف من خلافتهم في الأرض دون أن يكون لهذا الكون قوانين ونظم ثابتة مستقرة يأخذون بها ليصلوا إلى أهدافهم ويحققوا غاياتهم.
إن القوانين والسنن والنواميس التى خلق ﴿الله﴾ الكون عليها وسيَّره على مقتضاها هى من خلق ﴿الله﴾ سبحانه، ومن ثمّ فهى تخضع لمشيئة ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى - وإرادته، والموجودات تخضع لها وتسير على مقتضاها. ولأن هذه القوانين صنعه ﴿الله﴾ ومن خلقه، فإنها في يد ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى - يمضيها حين يشاء ويخرقها ويعطلها حين يشاء. وتعطيل هذه القوانين وخرقها هو من حكمه الله - سبحانه وتعالى - ليذكر الناس أنهم مربوبون له، خاضعون لسلطانه، ليسوا مربوبين أو خاضعين للطبيعة أو الكون. وحتى يتحقق