ذلك، فإن ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى - يخرق قوانين الطبيعة، ويعطل ما ألفه الناس من سننها ونواميسها بين حين وآخر ويأتي ذلك ممثلًا في معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء ويأتي كذلك في مولود بثلاثة أرجل، أو برأسين وجسم واحد، أو جسمين برأس واحد. كما يأتي واضحًا في ظواهر الطبيعة، وفي أحداث بعينها لا يجد الناس لها تفسيرًا. وكم تنادى الناس هنا وهناك بقرب فناء الأرض على يد مذنَّب ينطق بسرعته الرهيبة ليصطدم بالأرض فيفنيها ومن عليها. وكم سمعنا بذلك من علماء وصفوا بأنهم موثوق بعلومهم، كما سمعنا بطوائف من الناس باعوا ما يملكون وأعدوا أنفسهم ليوم الفناء ثم يحول ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى - مسار ذلكم الجسم الهائل عن مساره لتنجو الأرض ومن عليها، ويخلف ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى - حسابات العلماء الموثوق بعلمهم. كل ذلك - وغيره كثير - يظهر فيه بوضوح شديد أن قوانين الكون هي بيد ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى - يصرفها كيف يشاء، وأن القوانين التى تحكم الناس يحكمها ويتحكم بها رب الكون والناس ورب العالمين سبحانه.
والناس تجاه الظواهر العجيبة في الطبيعة والإنسان أحد اثنين:
أما المؤمن، فحين يري خارقًا للقوانين يقول في إيمان واطمئنان وراحة بال: سبحان الله رب العالمين، مالك الملك ومدبر أمره.
وأما غير المؤمنين فلهم تعلَّات وفلسفات يرجعون بها إلى الطبيعة نفسها قائلين: لعل، ويحتمل، وقد يكون، وربما.
ويكدحون أذهانهم ليختلفوا تعلَّات وأسبابًا يسندون إليها ما يرونه خارقًا وخارجًا على سنن الطبيعة وقوانينها، كل ذلك في مكابرة وعناد، ناسين أو متناسين أن القوانين الطبيعية هى من صنع ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى -، وأن ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى - يجريها على نسقها، أو يجريها على نسق جديد أو يعطلها فذلك ملكه، وتلك إرادته ومشيئته ولا يجوز - هنا - أن يقال: كيف أو لماذا، فإن هذه القوانين تحكمنا ولا تحكم خالقها - سبحانه وتعالى -.
والقاعدة أنه مع مقنن القوانين لا قانون، ومع منمس النواميس لا ناموس، ومع مكيِّف الكيفيات لا يقال: كيف، ومع خالق العلل والأسباب لا يقال: لم أو لماذا فإن


الصفحة التالية
Icon