رحمته في الدنيا والآخرة مع ما قد عمهم به والكفار في الدنيا من الإفضال والإحسان إلى جميعهم في البسط في الرزق وتسخير السحاب بالغيث وإخراج النبات من الأرض وصحة الأجسام والعقول وسائر النعم التي لا تحصى التي يشترك فيها المؤمنون والكافرون.
فربنا جل ثناؤه رحمنُ جميع خلقه في الدنيا والآخرة ورحيم المؤمنين خاصة في الدنيا والآخرة، فأما الذي عمّ جميعهم به في الدنيا من رحمته فكان رحمانًا لهم به فما ذكرنا مع نظائره التي لا سبيل إلى إحصائها لأحد من خلقه كما قال جل ثناؤه (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا) إبراهيم/٣٤. وأما في الآخرة فالذي عمّ جميعهم به فيها من رحمته. فكان لهم رحمانًا. تسويته بين جميعهم جل ذكره في عدله وقضائه فلا يظلم أحدًا منهم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا وتُوفى كل نفس ما كسبت.
فذلك معنى عمومه في الآخرة جميعهم برحمته الذي كان به رحمانًا في الآخرة.
وأما ما خص به المؤمنين في عاجل الدنيا من رحمته الذي كان به رحيمًا لهم فيها كما قال جل ذكره (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) الأحزاب/ ٤٣، فما وصفنا من اللطف لهم في دينهم، فخصهم به دون من خذله من أهل الكفر به.
وأما ما خصهم به في الآخرة فكان به رحيما لهم دون الكافرين. فما وصفنا آنفا مما أعد لهم دون غيرهم من النعيم والكرامة التي تقصر عنها الأماني. وأما القول الآخر في تأويله فهو ما رواه الضحاك عن عبد الله بن عباس قال: الرحمن الفعلان من الرحمة وهو من كلام العرب. قال الرحمن الرحيم الرقيق الرفيق بمن أحب أن يرحمه والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه. وكذلك أسماؤه كلها.
وهذا التأويل من ابن عباس يدل على أن الذي به ربنا رحمن هو الذي به رحيم وإن كان لقوله الرحمن من المعنى ما ليس لقوله الرحيم؛ لأنه جعل معنى الرحمن بمعنى الرقيق على من رقّ عليه، ومعنى الرحيم بمعنى الرفيق بمن رفق به.