والقول الذي رويناه في تأويل ذلك عن النبي - ﷺ - وذكرناه عن العرزمي أشبه بتأويله من هذا القول الذي روينا عن ابن عباس وإن كان هذا القول موافقًا معناه معنى ذلك في أن للرحمن من المعنى ما ليس للرحيم وأن للرحيم تأويلًا غير تأويل الرحمن.
والقول الثالث في تأويل ذلك ما روي عن عطاء الخرساني قال: كان الرحمن فلما اختزل الرحمن من اسمه كان الرحمن الرحيم.
والذي أراد إن شاء الله عطاء بقوله هذا: أن الرحمن كان من أسماء الله التي لا يتسمى بها أحد من خلقه، فلما تسمّى به الكذّاب مسيلمة - وهو اختزاله إياه، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه - أخبر الله جل ثناؤه أن اسمه الرحمن الرحيم ليفصل بذلك لعباده اسمه من اسم من قد تسمّى بأسمائه إذ كان لا يسمى أحد الرحمن الرحيم فيجمع له هذان الاسمان غيره جل ذكره؛ وإنما تسمى بعض خلقه إما رحيمًا، أو يتسمى رحمن، فأما رحمن رحيم فلم يجتمعا قط لأحد سواه ولا يجمعان لأحد غيره.
فكأن معنى قول عطاء هذا: أن الله جل ثناؤه إنما فصل بتكرير الرحيم على الرحمن بين اسمه واسم غيره من خلقه اختلف معناهما أو اتفقا.
والذي قال عطاء من ذلك غير فاسد المعنى، بل جائز أن يكون جل ثناؤه خص نفسه بالتسمية بهما معًا مجتمعين إبانة لها من خلقه، ليعرف عباده بذكرهما مجموعين أنه المقصود بذكرهما دون من سواه من خلقه، مع ما في تأويل كل واحد منهما من المعنى الذي ليس في الآخر منهما.
وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف الرحمن ولم يكن ذلك في لغتها؛ ولذلك قال المشركون للنبي - ﷺ - (وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا) الفرقان/٦٠ إنكارًا منهم لهذا الاسم.
كأنه كان محالًا عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته أو كأنه لم يتل من كتاب الله قول الله: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ) يعني محمدًا (كَمَا يَعْرِفُونَ