وقال سلامة بن جندل الطهوي:
عَجِلْتُمْ عَليْنَا عجْلتيْنا عليْكُمُ... ومَا يَشاء الرحْمنُ يَعْقِدْ ويُطْلِق
وقد زعم أيضًا بعض من ضعفت معرفته بتأويل أهل التأويل وقلَّت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير أن الرحمن مجازه ذو الرحمة، والرحيم مجازه الراحم.
ثم قال: قد يقدرون اللفظين من لفظ والمعنى واحد، وذلك لاتساع الكلام عندهم. قال: وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا ندمان ونديم. ثم استشهد بقول بُرْج بن مسهر الطائي:
ونَدْمانٍ يَزِيدُ الكأسَ طِيبًا... سقيْتُ وقَدْ تَغوَّرتِ النُّجُومُ
واستشهد بأبيات نظائر له في النديم والندمان. ففرق بين معنى الرحمن والرحيم في التأويل لقوله: الرحمن ذو الرحمة، والرحيم الراحم. وإن كان قد ترك بيان تأويل معنيهما على صحته. ثم مثل ذلك باللفظين يأتيان بمعنى واحد فعاد إلى ما قد جعله بمعنيين فجعله مثال ما هو بمعنى واحد مع اختلاف الألفاظ.
ولا شك أن ذا الرحمة هو الذي ثبت أن له الرحمة وصحَّ أنها له صفة وأن الراحم هو الموصوف بأنه سيرحم، أو قد رحم فانقضى ذلك منه، أو هو فيه. ولا دلالة له فيه حينئذ أن الرحمة له صفة كالدلالة على أنها له صفة إذا وصفه بأنه ذو الرحمة.
فأين معنى الرحمن الرحيم على تأويله من معنى الكلمتين يأتيان مقدرتين من لفظ واحد باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني؟ ولكن القول إذا كان غير أصل معتمد عليه كان واضح عواره. اهـ (١).

(١) جامع البيان (١/٨٧) وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon