مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ) النحل/١٢٦، (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) الشورى/٤٠.
أَمَا أمر الله بشكر نعمه المتنوعة، وجعل من أجلِّ شكره الإحسان إلى الخلق، قال بعد ما ذكر منته على نبيه بشرح صدره ووضع وزره ورفع ذكره (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ* وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى/٩-١١.
َمَا حثّ المتعاملين على أعلى المناهج فقال (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) البقرة/٢٣٧، وهو البذل والسماح في المعاملة. أَمَا شرع عقوبة العاصين وقمع المجرمين المفسدين بالعقوبات المناسبة لجرائمهم رحمة بهم وبغيرهم ليبطرهم ولئلا يعودوا إلى ما يضرهم وردعًا لغيرهم، لهذا قال في عقوبة القتل الذى هو أكبر الجرائم (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) البقرة/١٧٩، وقال بعدما شرع قطع أيدي السارقين صيانة للأموال (جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ) المائدة/٣٨، فالشريعة كلها مبنية على الرحمة في أصولها وفروعها، وفي الأمر بأداء حقوق الله وحقوق الخلق فإن الله لم يكلف نفسًا إلا وسعها وقال (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/١٨٥، ولما ذكر أحوال الطهارة وتفاصليها قال (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/٦.
وإذا تدبرت ما شرعه في المعاملات والحقوق الزوجية وحقوق الوالدين والقرابة، وجدت ذلك كله خيرًا وبركة لتقوم مصالح العباد، وتتم الحياة الطيبة وتزول شرور كثيرة، لولا القيام بهذه الحقوق لم يكن عنها محيص، ثم من رحمة الله تعالى بالجميع أن من أخلص عمله منهم ونوى القيام بما عليه من واجبات ومستحبات كان قربة له إلى الله، وزيادة خير وأجر، وكان له ثواب ما كسب وأنفق وقام به من تلك


الصفحة التالية
Icon